بقلم: تيماء الجيوش
في مقالٍ سابق تحدثت فيه عن تعدد الزوجات و عن شيخ الأزهر احمد الطيب الذي أوضح أن تعدد الزوجات ليس الأصل في الشريعة الإسلامية «فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة». و انه من المفيد التعمق في شروطه وقيوده الشرعية بل وأضاف شيخ الأزهر انه ظلم . و العودة للحديث عن تعدد الزوجات يعكس فوضى تشريعية / إجتماعية لا زالت تتوالى فصولها في بلدان عربية مختلفة و بأشكالٍ متنوعة.
ففي الثامن عشر من الشهر الحالي / أكتوبر / تشرين الأول تصدّر وسائل الاتصال الاجتماعي خبر افتتاح مكتب جمعية لتعدد الزوجات في مراكز متعددة من الريف في الشمال السوري ومنها مدينة إعزاز من ريف حلب و سرمدا …. و وفقاً لما ورد في هذه المصادر فإن اللاحق من التفاصيل حوله سيردُ للعموم عند استكمال الإجراءات الإدارية و الحصول على الرخص الرسمية أي بطبيعة الحال من المجلس المحلي في إعزاز و مجلس محافظة حلب التابع للحكومة المؤقتة حلب. لم يرد من مصدر مؤكد عمن يقوم بالتمويل و الدعم المالي ، كما و لم ترد أسماء مؤسسي الجمعية ، لكن تناهى الى الإعلام أن من بين أعضاء إدارتها مهندسين وأطباء و محامين أيضاً.
في الحادي و العشرين من شهر تشرين الأول/ أكتوبر أصدر المجلس المحلي لمدينة إعزاز قراراً بالملاحقة القضائية و القانونية ضد الجمعية وإغلاق مكتبها بشكلٍ فوري ضمن حدودها الإدارية حصراً، أما بقية الفروع فليس واضحاً حتى الآن إن تمّت ذات الملاحقة بشأنها أيضاً أم لا.
من يقرأ آراء من دفع و أيّد هذه الجمعية ، سيجد أن ما قيل لم يبتعد عن ثقافة الحفاظ على دونية المرأة و التمييز ضدها و إيجاد التبرير المناسب لكل موضع ، فهناك من صرّح إن هدفها هو تصويب تعدد الزوجات و مفهومه في المجتمع ، التأكيد على حماية الأيتام والنساء الأرامل ، و بالتالي تمكينهن من ممارسة واجباتهم الحياتية، لا سيما في ظل غياب المُعيل من أفراد الأسرة الذكور . و احتضان الرجال للنساء، فهو ظل و مشاركة قلب الرجل الكبير .
حقيقةً أن الأمر هو أبعد من إنشاء جمعية أو إصدار قرارٍ بملاحقتها، هو متعلق بعدم استعداد مجتمعاتنا العربية للمساواة الحقيقية، بإمتهان كرامة المرأة بشكلٍ ممنهج. هو متعلق بالعنف ضد المرأة و إستغلالها ، مرتبط بثقافة لا تجد غضاضةً في هذا العنف أو أشكاله و صيغه. يأتي على رأس الهرم التشريع و سياسته ليمنح المساحة لممارسة هذا العنف قانوناً ودون التباس في أبوابٍ عديدة منها الإرث، الحضانة، الطلاق، عقد الزواج، تعدد الزوجات وهو ليس أخرها . و ليس من الصعوبة بمكان اقتفاء أثر العنف القانوني القائم على النوع الاجتماعي في الدساتير المحلية و القوانين المختلفة من جزائي الى مدني الى أحوال شخصية…الخ. التشريع لم يدعم حقوق المرأة و لم يحترم معايير حقوق الإنسان في مواضع كثيرة ، جُلّ اهتمام المُشرّع هو حماية موروثٍ ثقافي – اجتماعي و تقديم الغطاء لممارساتٍ ثقافية عنفيه ضد المرأة مثلث أطرافها هم الأسرة و المجتمع و القانون.
غالباً ما يكون المسار الاجتماعي الاقتصادي السياسي و الأمني عاملاً في تفاوت أشكال العنف ضد المرأة. حرب العشرة أعوام الأهلية في سوريا كانت الأشد وقعاً على المرأة و ضراوة في زيادة العنف ضدها كماً و نوعاً و بدرجة واحدة . جغرافياً لا فرق هناك في الأحكام الشرعية و أحكام الأحوال الشخصية في المناطق المتفرقة من سوريا ووضعها الحالي. فأحكام الشريعة ذاتها تُطّبق و إن كانت هناك بعض الفروقات البسيطة. نعلم أن تعدد الزوجات هو موضوعٌ شرعي . و قانوناً تتبناه معظم القوانين العربية و تبيحه. قد تنص المواد هنا او هناك في بعض قوانين الأحوال الشخصية العربية على وجوب إذن أو رضا الزوجة الأولى غير أن هذا بقي حبراً على ورق و غير مطبق عملياً -قانونياً في حالة مخالفة أحكام الشريعة. هي دائرة المبتدئ فيها إحداث التعديلات و من ثم تُقّيد بعدم مخالفة الشرع و بهذا تبقى المسألة دون حل. .
بالنتيجة النافذة بقيت مشرعةً لتعدد الزوجات عبر الزواج الشرعي الذي يتم بعقده من قبل رجل دين( شيخ) و شهود و توفر الإيجاب و القبول . و هكذا يتم الالتفاف على القانون و اختراقه ومخالفة أحكامه.
يُمكن للزوج ان يعقد زواجاً شرعياً خارج المحكمة و دون الحاجة لرضا الزوجة الأولى او عدمه و هو بهذا لا يخالف الشرع و إن كان فيه مخالفة للقانون و تعديله . ثنائية العقود الشرعية للزواج و العقود القانونية المعمول بها في كافة الأقطار العربية دون استثناء لا تغلق الباب تماماً في وجه تعدد الزوجات. فالزواج الشرعي هو عقد زواج مكتمل الأركان من حيث الإيجاب و القبول و المهر و الإشهار . و الفرق الوحيد بين العقد الشرعي و العقد القانوني هو أن الأخير يتم تسجيله رسمياً في سجلات المحاكم و دوائر الأحوال المدنية. المرأة السورية عانت من ويلات حرب أهلية و نزوح و لجوء و حروب صغيرة متناثرة. أن تُنشئ هكذا جمعية هو من الوقاحة بمكان. يجدر بمكان توفير فرص التعليم الأكاديمي و المهني للمرأة و بتطوير البنى الاقتصادية و الاجتماعية لها في بيئتها المحلية مما يدعم استقلالها و يزيد من فرص عملها عوضاً عن ظل رجل و احتضان الرجال للنساء. و إن غاب المُعيل فالمرأة أيضاً مُعيل و الأمثلة كثيرة و نجاحاتها متعددة. أن تغيب حلول تمكين المرأة و تتقدم حلول من مثل تعدد الزوجات و إضافة درجات الاستغلال للمرأة و الفتاة يثير أكثر من علامة استفهام عن الوعي المجتمعي والقانوني و مسألة تغيير الثقافة المجتمعية في حاضنة لا زالت تتلظى من نار حربٍ أهلية مُستعرة لا يعلم أحد متى منتهاها. إحترام حقوق المرأة و مبدأ المساواة عملية تتطلب زمناً و العديد من إرساء البنى الذاتية و الموضوعية. تتطلب جرأة و ووضوحاً في الرأي و التقدم بإجتهادات شرعية تتماشى و الحفاظ على الكرامة الإنسانية، تمنع إستغلال المرأة و تدفع بها الى الأمام حيث يجب أن تكون. تجارب إنسانية لدولٍ عديدة يمكن الأقتداء بها ومنها المشرع الكندي إن كان على الصعيد الاتحادي ام على صعيد المقاطعات.
والفلسفة القانونية لديه تقوم على مشاركة الأفراد ذكوراً و إناثاً بصياغة القانون و حماية حقوقهم على حدٍ سواء.
و هو أيضاً لا يميز أو يقبل بأي انتهاكٍ ينال من الحريات الدينية ، فالأفراد لهم الحرية المطلقة في حياتهم الروحية و خياراتهم الدينية هنا هي حقوق أساسية مصانةً بالقوانين كافةً ، لكن الحرية الدينية هي أمرٌ منفصلٌ تماماً عن الممارسات الدينية و التي يمنع بعضها الدستور و المؤسسة القانونية ، لا سيما إن جاءت هذه الممارسات مخالفةً او كان من شأنها أن تُناقض روح التشريع الكندي و الالتزامات الدولية و المحلية لكندا أو أن تُلحِق ضرراً بحقوق الآخرين. نذكر من هذه الممارسات الدينية المحظورة والممنوعة منعاً باتاً في كندا تعدد الزوجات . المحكمة العليا اقرت بعدم مشروعية او دستورية تعدد الزوجات و اعتبرته غير دستوري بتاتاً بل و معاقب عليه قانوناً ، حيث ذهب القانون الجزائي الاتحادي الكندي في المادة ٢٩٣ منه.
اسبوع سعيد لكم جميعاً