بقلم: تيماء الجيوش
مقالي لهذا الاسبوع هو ليس بعيداً عن حقوق المرأة فهو يتعلق بالتبني ومرتبط بقوانين الأحوال الشخصية أشد الارتباط في العالم العربي و قد جاءني كسؤال متكرر من عدة سيدات عربيات على مدى الشهور الماضية عن كيفية تبني الاطفال في البلدان العربية و جلبهم الى بلدان المغترب او حتى التبني ضمن حدود البلدان لا سيما الأيتام و مجهولي النسب بل و حتى في الأسر الفقيرة ذات العدد الكبير او تبني الاقارب ضمن العائلة الواحدة و آلية ذلك القانونية، ومنهن أذكر زينب سيدة عربية عراقية ترجو ان تستطيع تبني حفيدة شقيقتها في العراق و ان تجلبها الى كندا. و أيضاً سلوى التي تأمل ان تتبنى طفلاً مصرياً.
و لربما زاد الالحاح في السؤال نظراً للظروف المختلفة التي تعيشها البلدان العربية كلاً على حدة والتي لا يزال بعضها تحت وقع الحروب أو الحروب الأهلية أو الثورات أو التغييرات السياسية، الاقتصادية و الاجتماعية من سوريا الى العراق الى اليمن الى ليبيا الى فلسطين الى الصومال و هلما جرا . و لعلنا اتفقنا في اكثر من مقالٍ سابق على ان من يتضرر بشدة و بشكلٍ مضاعف هو النساء و الاطفال سواء إناثاً أم ذكوراً كانوا . وتأكيدا لن أتناول الجانب الفقهي او الشرعي بل سأبحث هنا في نقطتين أساسيتين :
أولهما الحاجة الانسانية للتبني .
و ثانيهما هل التبني ممكن قانوناً ، في حال الإيجاب كيف؟ ما هو الحل الممكن؟
في تعريف التبني هو : التبني هو قيام شخص ما بإعطاء الأبوة للآخر، عادة ما يكون هذا الشخص هو الوالد البيولوجي للابن و هو الذي ينقل جميع الحقوق والمسؤوليات . إذاً ما يُقصد بالتبني قانوناً هو إحداث تغيير دائم في الحالة المدنية للطفل او القاصر المُتبنى ، وهذا يتطلب اعترافًا اجتماعيًا و بالتالي قانونياًً.
الهام هنا التبني قد سمحت به تونس و أجازته قانوناً منذ العام ١٩٥٨ و كذلك سوريا فقط في قانون الأحوال الشخصية للروم الكاثوليك و الذي صدر بالمرسوم التشريعي رقم ٣٣ للعام ٢٠٠٦ ولم يشمل الجميع الذي بقي ممنوعاً عليهم التبني ، في لبنان ووفقاً لقوانين الأحوال الشخصية و المذهبية المختلفة يمكن التبني للبعض و ليس للجميع بل هو ممنوع لدى طوائف معينة كما هو الحال و ما يزال ممنوعاً في معظم الدول العربية . منع التبني هو قاعدة لا حياد عنها أُرسَتْ دعائمه القانونية و الاجتماعية و الفقهية منذ قرون حيث قام الشُراح بتبيان الأسباب و منها قواعد و محاذير أساسية تتعلق بالميراث و الزواج و احكامه و رابطة الدم و عدم اختلاط الأنساب. لكن كيف هو الحال الآن لنا سواء كنّا في المغترب ام للغير و هو لا زال بين ضفتي الأقطار العربية؟ هل نُبقي على هذه القاعدة ام نوليها بعضاً من البحث و الاجتهاد و الحكمة و الروية؟
تقول احصائيات اليونيسيف ، المنظمة التابعة للأمم المتحدة و التي تُعنى بشؤون الطفل ان عدد الاطفال اللاجئين في سوريا ٢،٦ مليون طفل، عدد الاطفال الأيتام ما بين لجوء و نزوح هو مليون طفل بحسب تقارير منظمة اليونيسيف للعام ٢٠١٨ و ٩٠ بالمئة منهم هم غير مكفولين ، في مخيم ابو الهول شمال شرق سوريا لوحده يوجد ٢٤٠ طفل أيتاماً او غير مصحوبين بذويهم او منفصلين عنهم و العدد الإجمالي للأطفال الأيتام في دمشق لوحدها ثلاثين الف طفل. و لن ننسى أمراً بالغ الخطورة ألا و هو حالات انعدام الجنسية مع ارتفاع ارقام اليتم نتيجة تصاعد العنف و حدّتهُ.
في اليمن الذي تبلغ نسبة الاطفال فيه ٥٠٪ ، وصل عدد الاطفال من هم أيتام الأب او الام او كليهما الى ٦٠٠ الف طفل.
في ليبيا لا يختلف الامر من حيث حالات اليتم فقد ذكرت اليونيسيف في تقريرها ان عدد الأيتام هناك قد جاوز نصف المليون طفل ذكوراً وإناثاً.
أما في العراق ووفقاً لمصادر حقوقية عراقية هناك أيضاً ٨٠٠ الف طفل يتيم في العراق.
و عموماً في العالم العربي المنظمات المدنية تفتقد للكثير مادياً و معنوياً كي تقوم بحمل قضية الأيتام و توفير الأمن و التعليم و الخدمات الصحية لهم ناهيك عن الرعاية الأسرية و حمايتهم من الاستغلال و التسول و الاتجار بالأشخاص و بيع الأعضاء البشرية.
و نظراً لجدية قضية الطفل اليتيم أو من افترق عن ذويه و ليس له مرافق في اللجوء فقد قامت مؤخراً العديد من الدول الأوروبية بالتحذير من تزايد عدد الاطفال القاصرين و اللاجئين اللذين قد فُقِد أثرهم و اختفوا تماماً مما يعزز من مخاوف استخدامهم من قبل مجموعات اجرامية.
في العديد من دول العالم يُعدُّ التبني مقبولاً و معُترفاً به و له شكلان الاول تبني مغلقclose adoption والآخر تبني مفتوح open adoption
و هذا معمولً به في كندا بالإضافة الى أشكال اخرى تتيح من حماية امن الطفل و حقوقه الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و الحق في الحياة و الكرامة.
التبني المفتوح هو اقرب في احكامه لنظام الكفالة في الأقطار العربية. هو اتفاقٌ يُمكن بموجبه للوالدين البيولوجيين والمتبنين الدخول في اتفاقٍ ملزم قانونًا ويترتب عليه التواصل مع الطفل المُتبنى و إمكانية تبادل الزيارات و المعلومات و كل ما من شأنه ان يُبقي التبني واضحاً لأطرافه و مشروحاً و غير محجوب فالمعلومات لا بد من إبلاغها دورياً بين الآباء والأمهات بالتبني والبيولوجي ، و هذا التواصل او التفاعل غير رسمي أي أنه بطبيعة الحال يخضع لإنهاء الوالدين بالتبني اللذان يكون لهما الوصاية الوحيدة على الطفل.
لن أدخل في التفاصيل لأنه موضوع قانوني يحتاج الى مساحة اكبر ولكن التشابه كبير جداً ما بين نظام التبني المفتوح و نظام الكفالة المعمول به في البلدان العربية و الإسلامية حيث ان نظام الكفالة يقوم على ضم الطفل و الإنفاق عليه و حماية مصالحه و الإبقاء على نسبه و اسمه . و بهذا يمكن الوصول الى التوازن الممكن منح هؤلاء الاطفال الفرصة في العيش الكريم و العودة للرعاية الأسرية و حمايتهم من أفعالٍ جرمية و عصابات إجرامية . هو أمر فيه منفعة للجميع بل و حماية للأطفال.
لننظر جميعاً الى الأرقام أعلاه ، الى أرقام اليتم في العالم العربي، و لن ننسى انه مرهون بظروفٍ مستقرة و لا يمكن التنبؤ بها و لا بنتائجها . ألا يجدر بالمشرعين الان ولحاجة إنسانية و نظراً للظروف المضطربة ان يقتربوا ولو قليلاً من جوهر القانون الدولي و من الالتزامات الدولية لا سيما اتفاقية حقوق الطفل ( Convention on the rights of the child)
من قال ان البعد الثقافي او الديني يمنع ؟ من قال ان أطفال العرب لا تليق بهم الكرامة و العزة .
اضحى مبارك لكم جميعاً.