بقلم : أمال مذهر
الحياة تتلون مع كل يوم، لياليها مظلمة مهما أردت أن تنيرها تبق مظلمة بعيون إنسان غابت من أضاء لها الحياة،لكنه ظللها بسعادة وحب وحنان،كانت سنين العمر قصيرة لكنها كانت أسعد أيام حياتها …
ولدت سمر في نهاية الحرب العالمية الثانية وظروف الناس في فقر وقهر وحزن من نتائج الحرب وخسارة أبناءها وقلة الموارد، كانت العائلة تعمل بجهد بمواسم قطاف الزيتون وجمع ثياب العساكر وتنظيفها لإعالة الأسرة، كبر الأولاد وانصرفوا إلى المعامل في البلدة لتعلم مهنة،أما الطفلة أراد الوالدان تعليمها فكان يتوجب عليهما أن يدفعا أقساط المدرسة وهما لا يملكان المال،وكان الحل هو أن تلتزم الطالبة بتنظيف باحة المدرسة قبل الدوام وما بعده لقبولها،وهذا الواجب للتلميذة كان هدفه طلب العلم والمعرفة،رغم تعرضها للملاحقة والتنمر بسبب فقرها والمهام التي تقوم به، رغم أنها صغيرة السن .
مع كل سنة كانت سمر مجتهدة ذكية المهم هو تحصيل العلم والقراءة والكتابة وأنهت المرحلة الابتدائية بنجاح وتفوق وكانت ثمرة جهودها شهادة (السرتيفيكا) وقررت الأسرة متابعة تسجيلها من جديد للمرحلة الإعدادية وكانت مع كل سنة تتفوق وتحقق النجاح لتفوز بالشهادة الإعدادية، وكانت الأسرة تأمل في مستقبلها وكي تستطيع إعالة الأسرة بعد تخرجها.
كانت سمر محط أنظار من حولها ومعجبين كثر، لكن لم تكن تقبل بالزواج قبل نهاية تخرجها، وفي السنة نفسها تقدم لخطبتها شاب ميسور من عائلة معروفة من الدولة المجاورة، وتمت الموافقة على الخطبة …وقررت العائلة القيام بزيارة إلى مدينة العريس المستقبلي للاطلاع على المسكن الذي ستعيش فيه سمر، بدعوة من أهل الخطيب واستقبالهم للعائلة بكل ترحيب وتكريم والتعرف على جميع أفراد العائلة، ثم قفلوا عائدين الى دارهم بكل فرح وقبول،وبدأت العائلة بتحضير الجهاز وكل ما يلزم والمقدم من العريس، وسمر سعيدة بهذه الإجراءات. اتفقت العائلتان على موعد العرس وطبع بطاقاتً الدعوة.
أحاطها الزوج بالحب والحنان ورسم البسمة والفرح على وجوه العائلة، أما سمر كانت دموعها تجري بسبب فراق أسرتها كأنها في حلم أفاقت منه عندما حانت ساعة الفراق.
من هنا ابتدأت سمر الحياة الجديدة بشعور الغائب كل شيء من حولها كأنها وردة في بستان لفتت أنظار المحيط من حولها والجميع شاركوا في التهاني للعروسين متمنين لهما حياة سعيدة بالبنين والبنات..سنين العمر كانت أسعدها رزقوا بولدين ماهر وزاهر أزهرت حياتهما بالخير والسعادة، بعد انتهاء السنة الدراسية أرادوا زيارة الأهل ليتعرفوا على ماهر وزاهر الصغيرين لتكتمل فرحتهم وكانت المفاجئة للأهل كبيرة لتحقيق حلم الليالي لهذا اللقاء.
بعد انتهاء الزيارة وعودة العائلة كانت سعيدة بلقاء الأهل والأحباب، كما أن ماهر وزاهر أصبحا في المرحلة الإعدادية، مما افرح الوالدان اللذان وعدوهما بعطلة العام الدراسي الذهاب في رحلة الى الشاطئ الأزرق (اللاذقية) إذا قاما بالاجتهاد في تحصيل نتائج مرجوة بالنجاح، وثابر الولدان في الليل والنهار في الدراسة والتقديم للامتحانات التي شغلت جميع الطلاب، وبعد نهاية هذه الامتحانات النهائية كان الولدان ينتظران النتائج كي يباشرا الرحلة مع والديهما.
في منتصف تموز اختار الوالد القيام بالرحلة الموعودة،بدأت سمر التحضير له بشغف، ثم حان وقت الانطلاق والسيارة تنهب الأرض نهباً وكان الطقس يميل الى ارتفاع درجة الحرارة، شعر الوالد بخلل في السيارة متفاديا حادث مميت وانفجر إطار سيارة العائلة وصدمت سيارة نقل مما أدى الى توقف السير وحضور الإسعاف لنقل الجرحى الى المستشفى. كان الحادث مؤلماً لقوة الصدمة وأدت بوفاة سامر رب الأسرة ونجاة الوالدة وماهر وزاهر بجروح طفيفة، حزنت الأسرة، حزنا شديدا بعد رحيل رب الأسرة والزوجة في عقدها الثالث، وتلقت مواساة الأسرة ومساعدتها لها في هذا الظرف العصيب.
بعد مضي سنوات على الحادث المؤلم التحق ماهر وزاهر بالجامعة والوالدة كانت الراعية لهما بالحب والحنان، إلا أن الفاجعة جعلت الأم حزينة وصحتها تتأخر وغابت البسمة والفرحة من عينيها …
في حفل تخرج ماهر التقى أنور بالعائلة مهنئاً!!!
بعد زيارة أنور ترددت الزيارات وماهر وزاهر مرحبين به كونه رجل محترم ومحب تعودت العائلة على استقباله وأصبح اهتمامه مثال الأب المفقود.. بعد فترة تحدث أنور مع سمر بخصوص احترامه ومحبته للأسرة أن تقبل طلبه بالزواج منه، لكي يفاتح أولادها بهذا الخصوص لكن سمر قبل أن تأخذ وقتها واستشارة والديها!!! رفضت بأدب واحترام وقالت أنها تعيش من أجل أولادها رغم أنها ما زالت في العقد الرابع. بعد تخرج زاهر التحق بوظيفته في إحدى الوزارات وماهر عين مديراً عاماً في كبرى فنادق المدينة. تحسنت أوضاع الأسرة وأصبحت الفرحة والسعادة تطوقها، أصرت الوالدة على زواج ماهر كي تفرح بولادة حفيد لها، وكانت الفكرة أن فرحتهما سويا في الصيف المقبل وأشارت الوالدة إلى وجود عائلات كريمة لديها من البنات يتمتعن بتربية وأخلاق راقية …
سمر كانت وحيدة وهواجس وأفكار تراودها على وحدتها وهي تحاكي نفسها لو كانت لها الشجاعة لتعبر عن مشاعرها بصراحة ووضوح لتعيش بقية حياتها بسعادة كونها حالة ذهنية لا ترتبط بالمال أو الشهرة، وهي نادمة على فعلها كونها كرست نفسها لتعيش حياة يتوقعها الآخرون…