بقلم: د. خالد التوزاني
تعد ثانوية مولاي إدريس في مدينة فاس واحدة من المؤسسات التعليمية العريقة والمعروفة في المغرب، وتقع في قلب المدينة العتيقة لفاس، إحدى أبرز المدن التاريخية والعلمية في المملكة المغربية.
ويشير اسم هذه الثانوية إلى شخصية مولاي إدريس الثاني، مؤسس مدينة فاس، مما يعكس ارتباط هذه المؤسسة التعليمية بهوية المدينة العريقة، وبارتباطها بتاريخ المغرب، وقد أسهمت هذه الثانوية في تخريج العديد من الأطر والطلاب المتميزين في مختلف المجالات، والذين تقلوا مناصب عليا في إدارة الدولة المغربية. وتشتهر كذلك هذه المؤسسة بجودة تعليمها وانضباط تلاميذها وكفاءة أطرها الإدارية والتربوية، وكانت ولا تزال منارة للعلم والتربية في فاس ونواحيها، خاصة وأنها تقدم تعليماً ثانوياً في عدة مسارات، منها الأدبي والعلمي، وفق النظام التعليمي المغربي الرسمي، إلى جانب تقديم أنشطة ثقافية وتدريبية موازية يسهر على تأطيرها نخبة من أساتذة هذه المؤسسة العريقة.
ويأتي تحدي القراءة العربي أحد أهم الفعاليات التي شاركت فيها ثانوية مولاي إدريس بفاس، وهو أكبر مشروع عربي لتشجيع القراءة لدى الشباب، بتنظيم من دولة الإمارات العربية المتحدة. وقد برزت مشاركة مؤسسة ثانوية مولاي إدريس من خلال نادي القراءة الذي يشرف عليه الأستاذ منسق تحدي القراءة بثانوية مولاي إدريس بفاس، مدرس مادة الفلسفة واخصائي نفسي وممثل المشروع الدولي للمهارات النفسية والاجتماعية. حيث عمل من خلال هذا النادي على تشجيع الطلاب على المطالعة والانخراط في المسابقة بجدية، وتحفيزهم على القراءة وتنمية مهارات الفهم والتحليل وإتقان الإلقاء وتقديم الأفكار، عبر عدة أنشطة تكوينية وتدريبية، وعلى امتداد السنة الدراسية كاملة، وهو ما أثمر تأهل عدد من التلاميذ إلى المراحل المتقدمة على المستويين الجهوي والوطني في مسابقة تحدي القراءة، وهو ما يعكس حرص الثانوية تعزيز ثقافة القراءة، سواء بتقوية أداء نادي القراءة أو تنظيم الأيام الثقافية، أو تنظيم المعارض الأدبية واللقاءات مع الكتاب، ولا شك أن هذه الجهود قد أسهمت في بناء جيل قارئ ومثقف، متوافقاً مع أهداف تحدي القراءة الرامية إلى تنمية الوعي المعرفي والإبداعي لدى الطلاب.
وهكذا، اختتمت، يوم السبت 26 أبريل 2025 بالرباط عاصمة المملكة المغربية، فعاليات برنامج “تحدي القراءة العربي” بالمغرب في دورته التاسعة، بإعلان فوز ثانوية مولاي إدريس بجائزة التحدي القراءة وقد تسلم الجائزة منسق نادي القراءة والمشرف على المسابقة الأستاذ عبد الرحيم عازم.
وقد أشاد وزير التربية الوطنية بالعمل الجاد والدؤوب الذي قامت به المؤسسات التعليمية في المغرب، وعلى رأسها ثانوية مولاي إدريس بفاس، التي تميزت بالانخراط الجاد والمسؤول لجميع المتدخلين والمشرفين والتلميذات والتلاميذ المشاركين. كما أعرب الوزير المغربي عن عميق الامتنان والتقدير للجهود القيمة التي تبذلها دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة في دعم ورعاية هذه المبادرة على صعيد الوطن العربي.
لقد دأبت المملكة المغربية على المشاركة في “تحدي القراءة العربي” مند انطلاقته سنة 2015. والذي يعدّ أكبر مشروع عربي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، لتشجيع القراءة لدى الطلاب في العالم العربي عبر التزام أكثر من مليون طالب بالمشاركة بقراءة خمسين مليون كتاب خلال كل عام دراسي. حيث يهدف هذا المشروع الرائد إلى ترسيخ حب القراءة وتقوية شغف المعرفة في نفوس تلاميذ الوطن العربي، في وقت يشهد فيه العالم تراجعا ملحوظا في نسب القراءة.
خلال هذه السنة شارك من تلاميذ المغرب زهاء أربعة ملايين ونصف تلميذة وتلميذ، أي ما يعادل 54 بالمائة من إجمالي عدد التلاميذ على المستوى الوطني، في حين بلغ عدد المؤسسات التعليمية المشاركة 14 ألفا و236 مؤسسة عمومية وخصوصية ومؤسسات التعليم العتيق.
وهذا الحضور المشرف جداً لتلاميذ وتلميذات المدارس المغربي في مسابقة تحدي القراءة قد حظي بإشادة مدير إدارة البرامج والمبادرات بمؤسسة “مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم”، فواز الخالدي، الذي أكد أن الحضور المغربي يعدّ علامة مميزة في جميع دورات تحدي القراءة العربي من خلال تنامي معدل المشاركة والمستوى العالي للتلاميذ المغاربة.
وأوضح السيد الخالدي أن هذا الحضور واصل تسجيل نسق تصاعدي، حيث بلغ عدد المشاركين في الدورة الأولى 85 ألفا و625 طالب وطالبة ليصل العدد إلى أزيد من 4 ملايين و342 ألف طالب وطالبة أي بارتفاع بلغت نسبته 4971 بالمائة، مبرزا أن هذا النجاح ما كان ليتحقق لولا التعاون الوثيق بين وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة في المملكة المغربية ومؤسسة “مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية”. وأضاف، من ناحية أخرى، أن مبادرة تحدي القراءة العربي رسخت نفسها على خارطة المشهد الثقافي العربي ونجحت منذ إطلاقها في فتح آفاق جديدة أمام الطلاب والطالبات وقدمت إسهامات مؤثرة وفق عمل ممنهج متكامل في تعزيز مكانة اللغة العربية، مسجلا أن الدورة التاسعة من التحدي حققت إنجازات غير مسبوقة تمثلت في مشاركة 32 مليونا و231 ألف طالب وطالبة من 50 دولة يمثلون 132 ألف و112 مدرسة وبإشراف أكثر من 161 ألف مشرف ومشرفة.
ونالت مبادرة تحدي القراءة العربي تقديرا عربيا واسعا على مختلف المستويات كمشروع معرفي وثقافي رائد يسهم في تعزيز اللغة العربية ويسهم في ترسيخ مبادئ التسامح وتشجيع الانفتاح الحضاري والإنساني.
بهذا الإنجاز المشرف، تؤكد ثانوية مولاي إدريس بفاس مرة أخرى مكانتها كصرح تعليمي رائد، ليس فقط على المستوى المحلي، بل أيضًا في المشهد الثقافي العربي الأوسع. ففوزها بجائزة تحدي القراءة العربي ليس مجرد تتويج لجهود عام واحد، بل هو نتاج رؤية تربوية متكاملة تضع القراءة والمعرفة في صلب رسالتها، من خلال تضحيات أساتذتها وأطرها الإدارية والتعليمية، ومنهم منسق نادي القراءة فيها، الأستاذ عبد الرحيم عازم.
إن هذا الإنجاز يعكس التميز العلمي والتربوي الذي تتميز به المؤسسة، والانخراط الجاد لأطرها التربوية والإدارية وتلاميذها وتلميذاتها وشركائها أيضاً، كما يبرز دور التعليم العمومي في المغرب في صقل وعي الأجيال وبناء مستقبل أكثر إشراقًا. ولا شك أن مثل هذه المبادرات، بدعم من الشركاء الاستراتيجيين مثل مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم ووزارة التربية الوطنية المغربية، تسهم في تعزيز مكانة اللغة العربية وتنشئة جيل قارئ، واعٍ، وقادر على مواجهة تحديات العصر.
لقد أثبتت ثانوية مولاي إدريس بمدينة فاس أن الإرث العريق يمكن أن يكون حافزًا للتجديد والابتكار، وأن المدارس العمومية في المغرب قادرة على صناعة مستقبل واعد وأفق زاهر.