بقلم: ﭽاكلين جرجس
تقول لنا معاجم التعريف بالمصطلحات المتداولة في عالم السياسة وعلوم الاجتماع والاقتصاد وغيرها أن مصطلح اللائكية – كصياغة عربية- مشتقة من لفظ أجنبي لاتيني هو “laicus” وهو بدوره مأخوذ من اللفظ اليوناني “laos” ومعناه “الشعب”، غير أن استعماله اللاتيني قد تخصص في قسم من “الشعب” وبالتالي لا يدل على الشعب بإطلاق، وإنما يدل على “الشعب” بالمعنى المباشر للكلمة، وذلك في مقابل “الكاهن “ clerc، وهو رجل المعرفة “العالِم” (من اللفظ اليوناني clêros بمعنى الحظ، الموروث)، والمقصود رجل الدين (المسيحي) المنتظم في سلك الكهنوت الكنسي. وقد ظهر هذا الاستعمال أول مرة في أوروبا في نهاية القرن الأول الميلادي ثم شاع في القرون الوسطى عندما أضفت الكنيسة على نفسها صبغة القداسة ؛ فالأفراد الذين يطلق عليهم لفظ لائكي “laic” كانوا يعتبرون مسيحيين بالتمام والكمال أي أنهم أعضاء كاملي العضوية في “شعب الله”، يؤمنون بالمسيح وهم أتباع خُلَّص له، وكل ما في الأمر أنهم ليسوا أعضاء في التنظيم الكهنوتي الذي تتشكل منه الإمبراطورية البابوية،وإذن فاللائكية في الأصل لا تعني اللادينية وإنما تعني عدم الانتظام في سلك الكهنوت الكنسي، وإذا قلنا إن رجال الكنيسة -وقد كانوا أكثرية في القرون الوسطى- هم “الخاصة” فإن اللائكيين كانوا هم “العامة”. وهذا صحيح بمعنيين: بمعنى أنهم ليسوا من رجال العلم (الديني) من جهة، وأنهم من جهة أخرى ليسوا من رجال السلطة (الدينية) بل هم موضوع لكل سلطة، الدينية منها والسياسية، هم محكومون أجساما وأرواحا.
فبينما يعيش الشعب المصرى و حكومتة وجيشه وشرطتة البواسل حالة من المواجهة الشرسة مع الإرهاب وصُناعه نعم ، إرهاب متشعب الفروع ، و متأصل من الجذور فصناعته المرعبة مغطاة بقناعات فكرية و فتاوى سحرية تكفيرية و بتجهيز مواد تراثية يستدعونها عند اللزوم من سالف العصر والأوان ؛ أما المادة الخام المستخدمة فى هذه الصناعة هى مدارس التدين الشكلي ، و كتب ونشرات وخُطب كلها تخدم وبتشكل صناعة الإرهاب ومنتجه النهائي المتمثل فى إرهابي خسيس ملعون جاهز متبرمج للحظة التفجير .
وإذا كان كل يوم جيشنا وشرطتنا بيحققوا انتصارات على الإرهاب و الشر ، – فللأسف – لايزال تزهق أرواح الكتير من أولادنا من الجيش والشرطة والمدنيين ؛لأنه بالقدر الذى نجحنا به فى المواجهات الأمنية مع الإرهابيين يتبقى لنا مواجهة أكثر وعورة و صعوبة للتصدي لـ “ الإرهاب الفكرة “ و تجفيف منابع تمويله المادية والفكرية السخية الشريرة !!!!
ولأن الإرهاب الفكرى وكراهية الآخر يعتمد على تنشئة الأطفال على عداوة من هو مخالف و تلقينه على عداوة أجهزة الدولة المعنية، فإن من واجب الدولة ومؤسساتها زرع ثوابت و قناعات فكرية و ثقافية للطفل تهتم بغرس بذور المحبة و والتعلق بالفنون والجمال والخير وكراهية القبح والعنف ليشب الطفل على قبول التعدد والتنوع و الاختلاف والتعريف بأسس الجمال و الإبداع ومن هنا يتجلى دور وزارة التربية و التعليم ، أعلم جيدا أن وضع التعليم فى مصر لم يحقق النتائج المرجوة منه حتى الأن فمازلنا نخطو بخطوات غير ثابته فى خطة الوزارة الجديدة لتطوير التعليم ؛ ولذلك علينا ألا نغفل الدور الهام الذى يلعبه التعليم الدينى فى مصر وهو التعليم القائم بمؤسسات علمية دينية لتنشئة الطفل بداية من أول سلم الحضانة إلى نهايته عند التخرج .
فيأتى الأزهر على رأس المؤسسات الدينية العريقة و التعليمية الكبرى؛ فبعدما كان جامعة متخصصة فى الشريعة الإسلامية و علوم اللغة العربية تحول إلى جامعة تُخرج رجال الدين المتخصصين فى شتى أنواع العلوم والمعارف الدينية و الدنيوية ؛ لكنه أسفر عن ضعف لخريج الأزهر فأصبح من الصعب الجمع بين الإلمام التام لعلوم الدين و اللغة و الفقه أو الإلمام بعلوم الدنيا و الإبداع و النبوغ فيها بتوسع وتعامل محايد .
نحتاج الأن إلى تنقية الأفكار التى تشعبت فى عقول أبناءنا ؛ و ذلك لن يتم فقط بتغيير المناهج وإتجاه واضعي المناهج نحو الحذف أو الإضافة دون مواجهة شاملة و رؤية فلسفية تستهدف عقل المتلقى وفتح باب الحوار ومقارعة الحجة بالحجة وإتاحة حرية التعبير والعمل على فصل الدين عن العلم فالدين له ثوابته و مقداسته التى لا يمكن لأحد أن يمسها بسوء أما العلم والمعرفة فهى أمر نسبى ومتغير ومتجدد باستمرار .
والأن ونحن نطمح بتطوير وتغيير نظام التعليم خاصة بعد عقد وزارة التربية و التعليم بروتكول تعاون مشترك بينها وجامعة الأزهر بما يُسهِم في تطوير التعليم المصريّ، وبما يَتوافَق مع رؤية الدولة المصرية 2030م، و لأن الوزارة تَعي جيّدًا دَور الأزهر الشريف في دعم التعليم في مصرَ، وتُقَدِّر الجهودَ التي يقوم بها في تطوير المناهج والارتقاء بمستوى التعليم الأزهري.
فهل لنا أن نستفيد من التجربة الفرنسية ؛عندما أقرت الحكومة الفرنسة فى عام 1905 م الفصل الواضح والصريح بين الدولة و الكنيسة والذى عرف وقتها بـ( اللائكية ) التي تعرضت لتعريفها في مستهل مقالي ؟!
فبانتشار أفكار التنوير و حرية الفرد التامة بدأ التشكيل الأساسى للهوية الفرنسية وهى مرحلتى ما بعد الثورة الفرنسية عام 1789 م ، و مرحلة الجمهورية الثالثة من ( 1870 إلى 1940م ) .
وبالعودة لمصر و خطاب الإصلاح الدينى و عن إمكانية عزل التعليم الدينى عن المدارس فى خطوة مشابهة لللائكية الفرنسية ؛ هل ينجح الإصلاح الدينى فى تحقيق أهدافه ؟! .
و هل تنجح وزارة التربية و التعليم و الازهر فى تنقية عقول و أفئدة الطلاب بوجه عام من أخطاء بعض المناهج التى تحرض على الكراهية والبغض للآخر ؟!
فليكن هدفنا خلق جيل من الشباب الواعى يعتز بالمواطنة و هويته المصرية يؤمن بالحريات و إحترام الآخر المختلف عنه دينيًا أو عقائديًا، فهؤلاء الشباب هم عماد الدولة المدنية الحديثة .