بقلم/ السعداوي الكافوري
“ حصاد الجدائل” هى الرواية الأولى للكاتبة المغربية فتيحة بوجدور بوجدور التى عرفها الوسط الثقافى كمدونة وكاتبة سيناريو وناشطة فى مجال الثقافة العامة ، ولقد صدرت هذه الرواية بالقاهرة صيف ٢٠٢١ عن دار نشر – منشورات إيبيدى – هذه الدار ذائعة الصيت والتى قدمت للمكتبة العربية العديد من الإصدارات المهمة التى لاقت تجاوبا كبيرا من النقاد والقراء وجاءت هذه الرواية فى مائة وخمس وخمسين صفحة من القطع المتوسط وشملت خمسة عشر فصلا تراوحت أحداثها مابين الواقعى والمتخيل وجاء نسيج الرواية كضفيرة من الذاتى والموضوعى إعتمادا على لغة شفيفة تتماس مع تخوم الشعر وإسلوب بسيط وسهل ورؤية تستلهم الماضى و تشتبك مع الواقع وتستشرف أفاق المستقبل لتشق الكاتبة طريقا يخصها على مضمار فن السرد مؤكدة على موهبة أصيلة تمتلك أدواتها ووعى مدهش بأليات وتكنيكات الكتابة بطريقة جعلت من الرواية بمثابة سيمفونية طويلة أغلب حلقاتها من اللحن الحزين فالكاتبة غارقة حتى أذنيها بقضايا واقعها المعيش محليا وقوميا منذ الكلمة الأولى فى الرواية حتى سطرها الأخير … فهى تقص وتحكى عن مجموعة من الفتيات أجبرتهن ظروف الدراسة إلى الإنتقال من محال إقامتهن قسرا إلى مكان أخر وخلال صفحات الرواية التى بدأت بفصل – السفر- نجحت الكاتبة فى رسم مشاهد الرحلة بطريقة تجعل القارئ يتفاعل مع الحدث ويعيش معه وكأن الفتيات بالفعل من دم ولحم ويتحركن ويتقافزن على صفحات الرواية فى سبيل التوق الى حياة أفضل وكأن الكاتبة قد أرادت أن تبث إلينا بطريق خفى أن طلب العلم مهما واجهنا فيه من تضحيات هو السبيل الأمثل لتحقيق ذواتنا والطريقة الأمثل لتحقيق تقدم شعوبنا، وتتوالى أحداث الرواية كاشفة عن الجوانب النفسية للفتيات المغتربات اللاتى واجهن صدمة حضارية بعد إنتقالهن إلى مجتمع جديد وثقافة جديدة ووسط إجتماعى مختلف عما سبق من حياة … وبطريقة الرجع تعود الكاتبة بأبطال الرواية إلى حيواتهن السابقة لتقدم لنا أفكارا وقيما وطرائقا للحياة تختلف كلية عما يواجههن الأن راسمة صراعا ثقافيا بدا وكأنه أزمة حضارية لاسيما أن هناك بونا شاسعا بين ثقافة مجتمعهن المحلى وثقافة مجتمعهن الجديد لتضع أمامنا بانوراما كاشفة للحياة فى الصحراء بمفرداتها وأطرها وأنساقها الإجتماعية بصورة تشير إلى كاتبة مهتمة ومثقفة عضوية متفاعلة تدرك جيدا بنيات وتفاصيل وجزيئات مجتمعها المحلى المحكوم بالعشيرة والقبيلة والغارق حتى أذنيه فى خضم العادات والتقاليد ، وتستمر أحداث الرواية وتلقى بأضواء كثيرة حول إشكاليات عدة تتراوح مابين العقائدى والسياسي والنزاعات القبلية والعشائرية بل والحدودية من خلال بناء سردى رصين محكم ومتماسك لايعانى من الترهلات ولاتشوبه التقعرات فالأسلوب بسيط وسهل يحفر عميقا فى سراديب الروح ويضعنا أمام إشكاليات تنسحب علينا جميعا كعرب من الخليج الذى كان هادرا إلى المحيط الذى كان فيما مضى ثائرا وكأنها بهذه الكتابة ترش الملح الأجاج على جراح الذات والوطن لتضعنا فى مواجهة مباشرة مع مايكبلنا ومايعوقنا بطريقة فنية ليست بها مباشرة ولا فجاجة ولا خطب عنترية ولا مواعظ منبرية وهذا إن دل على شئ فإنما يدل على خبرة ودربة وفهم تتمتع بهم الكاتبة … ثمة ملمح مهم إتسمت به الكاتبة وهو الغوص فى الماضى بصورة ساهمت فى تحقيق نوع من التصاعد الدرامى كان له الأثر البالغ فى تحقيق الوحدة العضوية للرواية لتؤكد دوما بأن المقدمات تسبق النتائج والتشخيص الصحيح للحالة لابد له من التوقف أمام الماضى والتأمل للإمساك بأسباب مايحدث فى الحاضر وبالتالى راحت الكاتبة بمبضع جراح ماهر تشرح الأبنية الإجتماعية والأنساق الفكرية التى تفضى إلى ديناميات الأحداث كراو عليم وكاتب يعى جيدا ماحوله ويتفهم رسالته جيدا فالكاتبة تقدم عبر عملها الروائى رصدا وتحليلا وتفسيرا لما يحدث حولها بلغة الأديب وموضوعية الباحث تقول فى صفحة ١٠٤ “ كلما زادت معرفة المرأة كلما قل حظها فى الحب والزواج “ وهذه حقيقة ناصعة فى كل مجتمعاتنا العربية أكدها وأفضى إليها نسق ثقافى متكلس يرى فى المرأة مخلوق غير صالح للقيادة بل خلقن من ضلع أعوج و ناقصات عقل ودين ….. أيضا إحتشدت الرواية من بدايتها لنهايتها بوقائع الفقد وكأن الفقد هو البقعة الوحيدة الماثلة على الدوام فى أفق وطننا العربى بداية من فقد المكان بسبب الهجرة أو الترحيل قسرا أو الفقد بسبب عدم التكافؤ أو الفقد بسبب عدم التفاهم أو الفقد بسبب الموت قتلا وإغتيالا تقول الكاتبة فى صفحة ١١٩ فى معرض حديثها عن صديقاتها وأصدقائها “ إما يرحلون أو ترحل أنت عنهم “ وكأن مسيرة حياة هؤلاء هى بمثابة متتالية للخيبات وعزف على وتر الإنتكاسات … ولقد نجحت الكاتبة بإقتدار فى مزج الذاتى مع الموضوعى وربط الواقعى مع المتخيل لتكون رواية – حصاد الجدائل – هى حكايتنا جميعا وقدرنا المقدر فى الموت والحب والحياة والإنكسار فالفشل قدر حتمى والخيبة هى النصيب … كذلك نجحت الكاتبة فى تقديم كم كبير من مظاهر الحياة فى الصحراء بالإضافة إلى إبراز الشعر والغناء والحكم والأمثال التى تحتشد بها حياة أهل الصحراء ، والتى كان يجب على الكاتبة أن تقدم معانى فصحى لها فى هامش الرواية لاسيما أن هناك كثيرا من الكلمات يستعصى فهمها على الكثير من قارئى الرواية .٥
وبالرغم من وجود بعض هنات بسيطة فى بضع مواضع من الرواية مثل الإستطراد وظهور وجهة نظر الكاتبة كذلك بعض الأخطاء الطباعية مثل
صفحة 51 خطأ إملائي تؤسس وليست تؤثث
صفحة 76 الرضا وليست الرضي
صفحة 77 نشتم وليست نشيم
إلا أن الرواية قد جاءت فى مجملها مثل طلقة رصاص أطلقت بحرفية ومهارة لتستقر فى خاصرة التخلف والتكلس وكل مايعيق الإنسان عن تحقيق ذاته