ترجمة: إدوار ثابت
يوضح لافونتين مغزى الحكاية في بدايتها فيقول : “الحجة ممن هو أكثر قوة هي دائماً الأفضل وليست الأفضل في رأيه هي الأحسن أو هي العادلة وإنما هي التي تنتصر والتي يؤخذ بها . تحكي الحكاية أن ذئباً قد تضور جوعاً مرة بحمل يرتوي من نبع مائي فيهاجمه الذئب أن عكر نبعه ويهدده بالجزاء على ما فعله فينفي الحمل ما أتهمه به الذئب فما هو إلا سعيه ورغبته في أن يهدئ من ظمأه ، ويتبادلان النقاش الذئب يهاجمه والحمل يدافع عن نفسه ويسترضيه ولكن الذئب لايقبل دفاعه ولا أسترضاءه ويكيل له مبررات إتهامه الخاوية وأن له الحق في أن ينتقم منه فيأخذه إلى الغابة بلا تحقيق ولا تحكيم .
وها نحن نترجم الحكاية كما هي في نصها الفرنسي . يقول الشاعر لافونتين :
الحجة ممن هو أكثر قوة هي دائماً الأفضل
وسوف نشير إلى ذلك على الفور
كان حمل يروي ظمأه من مجرى نبع مائي صافٍ
فيأتي ذئب صائم يبحث عن مغامرة
قد جذبه الجوع إلى تلك الناحية
فيقول له هذا الحيوان وقد ملأه الغضب
أية وقاحة قد فعتك إلى أن تعكر مرواي
سوف تعاقب على تهورك هذا
فيجيبه الحمل : مولاي لا تغضب جلالتك
فليس ذلك أكثر منها نية مني في أن أرتوي
فيقول له من مكان أكثر من عشرين قدماً أسفل النبع
وبالمنطق والبساطة : أنا لا أقدر أن أعكر ورده (الوِِِرد هو الماء الذي يورد منه وينهل أي يُشرب)
فيعارضه ذلك الحيوان الفظ : لقد عكرته
وأعرف أنك قد أفتريت عليّ وأغتبتني العام الماضي “أغتابه أي أوضح عيوبه”
فيجيبه الحمل : وكيف لي أن أفعل ذلك
إذا لم أكن قد ولدت بعد فلا زلت أرضع من أمي
-إن لم تكن أنت فهو إذن أخوك
-ليس لي أخ
-إذن هو واحد من ذويك
فأنتم لم تتدخروا وسعاً عنه أنتم ورعاتكم وكلابكم
ذلك ما قيل لي ولذا يجب أن أنتقم
وهناك في عمق الغابة ينتشله الذئب
ثم يفترسه بلا أي شكل من أشكال الدعوى
ولننظر إلى الحكاية من بدايتها إلى ما تنتهي إليه فنراهاً نقداً سياسياً وبالأخص نقداً يتعلق بالنظام القضائي أو الحاكم وينتسب إليهما وبما أنه يتعلق بهما فهو إذن يرتبط بالإنسان أو بالأشخاص الذين يكونون فيهما أطرافاً فالكاتب يسخر في ذلك المجال من أن تكون الحجج التي يقدمها القوي ضد الضعيف هي التي ترجح بغير إستناد إلى العدل فهما يبرز الضعيف المبرر المقنع فسيتغلب عليه من يمتلك القوة فالحمل في الحكاية يحاول أن يدافع عن نفسه بمهارة وبحيثيات منطقية أما الذئب فإتهامه ليس مقنعاً ولكنه هو الذي يرجح وهذا يماثل النظام الديكتاتوري الذي كان يراه الكاتب حوله في العصر الذي كان به وفي تلك الفترة التي كان يحكم فيها الملك لويس الرابع عشر فرنسا ومن الحق أن نقول أن هذا الملك كان يهتم بالثقافة وبالشعراء الذين برزوا في تلك الفترة مثل موليير وكورني وراسين ومعهم لافونتين كاتب هذا المؤلف وكان يقدر أعمالهم فبني لذلك مسرح الكوميدي فرانسيز أشهر مسارح الدولة في باريس لتعرض عليه المسرحيات التي يكتبها كتاب وشعراء المسرح هؤلاء ولكن على الرغم من ذلك فقد كان ملكاً متسلطاً يحكم حكماً مطلقاً يهدف فيه إلى الطاعة وينفر من معارضته فسمي لذلك بالملك “الشمس” وكان يطلق عليه لقب “الكبير” وفي تلك الحكاية تبدو قدرة الشاعر في ما يعرضه ولا سيما أنه ينظم الحكاية شعراً له قواعد وقيوده وهذا يبدو في ذلك الجدل بين مدع قوي يرى رأيه حقاً يرمز له بالذئب وبين متهم ضعيف يدافع عن نفسه بحجج منطقية وهو الحمل ولكن القوى يراها ليس مقنعة فيلغيها ويرجح قراره هو وينفذه وكما يقول الشاعر : بلا أي شكل من أشكال الدعوى وأول ما يؤكد ذلك هو إختياره لشخصيات الحكاية فأختار لها شخصيتين الذئب والحمل وهما يعرفان بخصال مختلفة فالذئب يعرف بالشراسة والمواربة والحمل يعرف بالوداعة والرقة وكلها شيم تبدو على الإنسان ثم نرى الشاعر يستخدم ألفاظاً وضمائر شخصية يستخدمها الناس في أحاديثهم فالحمل يقول للذئب : مولاي ويقول له جلالته وهما يطلقان على الحاكم أو الملك كما يطلقان في الجلسات القضائية على القاضي أما اذيب فيحدث الحمل بتلك الضمائر التي يستخدمها العامة وهي أنت وضمائر الملكية المعروفة وفي وضعهما في الحكاية يضع الكاتب الذئب في مكان بالنهر يعلو عن المكان الذي يقف به الحمل فيقول “ من أكثر من عشرين قدماً أسفل النبع “ حتى يوضح الفرق بين قدرهما المادي أو وضعهما الإجتماعي وهناك ما يوحي بضيق القوي من معارضته كما كان يضيق الملك أو كما يقول الذئب : أعرف أنك قد أفتريت عليُ وأغتبتني العام الماضي:فأنتم لم تدخروا وسعاً عنه أنتم ورعاتكم وكلابكم فالرعاة والكلاب في رأيه يرمز بهم إلى هؤلاء العامة المتواضعين الذين يهاجمون ذلك الملك كما أن الذئب لا يجد برهاناً يؤكد به هذا الهجوم فيقول فيه للحمل أن هجومه قد قيل له : “لقد قيل لي “وفي ذلك سخرية من الكاتب أن يكون الحكم في القضايا حكماً يرجع إلى أسس أفتراضية . ثم هناك لفظ يوحي بأن ما يحدث يرتبط بالقضايا التي تعرض بالمحاكم وهو “ القضية أو الدعوى” فيقول الكاتب : أن ذلك الجزاء بلا أي شكل من أشكال الدعوة أي بلا قواعد مؤكدة وبهذا تكون متناقدة مع المضمون والمحتوى اللذين تتضمنه أي بالمفهوم القضائي النقض فيهما وما يضيف إلى هذه السخرية من الكاتب سخرية ثانية يوضح فيها ان جزاء الذئب للحمل : “هو هناك في عمق الغابة “ أي أن الجزاء مختفٍ مستتر . أما يلفت الأنتباه هي قدرة الشاعر اللغوية وتمكنه من أن يضع ألفاظاً تناسب الإيقاع السعري أو الوزن الذي يلتزم به وهو أن يرفض بين ظرفين : ظرف المكان هناك بالفرنسية وبين ظرف مكان ثانٍ هو أعلى معاً أو في جملة فقط وهذا ليس شائعاً في اللغة الفرنسية ولكن أين ذلك المكان العالي إن لم يكن ما يهدف إليه الكاتب وما يراه وإن لم يكن هو المكان الذي يستقر فيه القوي أو المتسلط وهو الذي يملكه .