أجرى الحوار/ السعداوي الكافوري
تعتبر الكاتبة العراقية فوز حمزة واحدة من أهم الأصوات المبدعة علي مستوي المشهد الإبداعي العراقي حيث حصلت على العديد من الجوائز منها الجائزة الأولى في مهرجان همسة الدولي المقام في القاهرة للقصة القصيرة 2018 والجائزة الأولى في المسابقة التي أجرتها مجلة الآداب والفنون الورقية …
وعلى المركز الأول في القصة القصيرة في مسابقة كن كاتباً في مجموعة لغة الضاد بالإضافة إلى هذا حصلت علي حائزة على الجائزة الأولى في المهرجان همسة عام 2021 كما أنها عضوه في اتحاد أدباء وكتاب العراق .. عضوه في نادي القصة القصيرة ..
حصلت على تكريم مع أفضل مائة شخصية عراقية من وكالة صدى الدولية لعام 2017
حصلت على الدكتوراه الفخرية من منظمة اتحاد الحقوق والحريات للشرق الأوسط 2018 كما حصلت على تكريم من مؤسسة المرسى الثقافية وتكريم من الإتحاد العربي للثقافة عام 2021 وتكريم من الجمعية الثقافية العراقية في مدينة مالمو السويدية ..
للكاتبة ثلاثة إصدارات .. الأول باسم الوشاح الأحمر وهو عبارة عن عشرين قصة قصيرة .. صدر الكتاب عام 2015 .. والثاني باسم مذكرات زوجة ميتة صدر عام 2017 .. تحتوي المجموعة على واحد و خمسين قصة قصيرة .. المجموعة الثالثة بعنوان مذكرات امرأة في سلة المهملات .. تحتوي المجموعة على اثنين وخمسين قصة قصيرة ..
مجموعة رابعة قيد الطبع .. وحول مسيرة حياتها ومشوارها الإبداعي كان لجريدة الرسالة معها هذا الحوار :
س: ماذا عن نشأتك الأولى ومصادر تكوينك المعرفى وبمن تأثرت من الكتاب ؟
نشأت في عائلة بسيطة كانت تسكن بغداد العاصمة .. لدي من الأخوات ثلاثة ومن الأخوان اثنين .. كانت طفولتي عادية حتى سن العاشرة حيث إن فقداني لوالدي في هذه السن كان له التأثير الكبير عليّ .. فقد غير في شخصيتي وجعلني أنظر للعالم مكانًا غير آمن يفتقر للسلام الذي لم أجده إلا بين أوراق قصص الصغار ومجلات الأطفال التي كانت تنقلني خلال سطورها للعالم الذي كنت أبحث عنه ومن خلال أبطال تلك القصص الرائعون الذين كانوا ينشرون الحب والسلام ويدعون للقيم والمبادىء .. من خلالهم وجدت المكان الذي منحني التوازن النفسي لأجد نفسي أغرق في عالم القراءة والسحر والخيال ولاسافر عبر الكلمات وما ترسمه تلك الكلمات من صور ومعان غذيت بها إحساسي ووجداني .. فلم يكن يمر علي يوم دون أن أقرأ فيه ولو كانت ورقة واحدة ثم بعدها حين كبرت قليلًا تحولت قراءاتي إلى الروايات العالمية لكتاب منهم أرنست همنغواي تشارلز ديكنز وفيكتور هيجو وأميل زولا ودستويفسكي وكذلك قرأت مسرحيات شكسبير جميعها أما للكتاب العرب .. قرأت لطه حسين ..توفيق الحكيم ونجيب محفوظ .. حنا مينا ..غادة السمان وإحسان عبد القدوس وكثيرين غيرهم .. وأيضًا نهلت من كتب التأريخ ودواوين الشعر العربي القديمة والحديثةبل قرأت وأنا في سن صغيرة كتب الفلسفة وعلم النفس.. لكن عشقي الأكبر والذي وجدت في كتاباته كأنه يهمس لشيء في قلبي كان للكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز .. فهو الكاتب الذي تأثرت به بالفعل لدرجة أنني أقوم بأعادة قراءة أغلب رواياته وفي كل مرة أجد فلسفة للحياة تجعل من الحياة مكانًا أجمل واتيقن من أن الكتابة هي مرآة الوجود والتي تحفظ للحياة صورها الحقيقية ..
كل تلك القراءات والسفر داخل الكتب جعلوني احترم الكتاب وأنظر للحياة نظرة إجلال وتقديس الأمر الذي حفزني لدخول الفرع الأدبي في المرحلة الثانوية .. أما دراستي للإخراج المسرحي في كلية الفنون الجميلة في بغداد كانت الانعطافة المهمة التي من خلالها اتخذت حياتي مسارًا آخر .. حيث أنني بدت أعي كيف تكون الكتابة بعد أن تصقل الموهبة بالدراسة والبحث الأكاديمي.. ومن هناك بدأت رحلة المليون ميل والتي لم تنتهي حد هذه اللحظة .
س: القارئ لإبداعاتك يدرك منذ الوهلة الأولى أن العراق بثقافته وعاداته وتقاليده لايزال يعيش بداخلك ولايزال هو المنبع الرئيس لمفرداتك وبنية نصوصك رغم إقامتك بعيدا عنه وحياتك فى مجتمع أخر له ثقافته المغايرة … فما السر فى هذا ؟
من البديهي جدًا أنك تجد العراق يسكن في داخلي لأنني ولدت في العراق .. أولى الحروف التي نطقتها كانت هناك .. ذاكرتي مليئة به حد التخمة.. أولى ذكرياتي التي نقشت على جدران قلبي حين كنت طفلة تلعب في أزقة بغداد وحواريها .. رفيقاتي ومعلماتي كلهم في العراق .. ما زال شكل الصفوف التي درست فيها والمدارس التي ارتدتها شاخصون أمامي كأن لم يمر سوى نهار أو نصفه على ذلك الزمن .. أحيانًا حين أشم رائحة الدفاتر والكتب تأخذني تلك الرائحة لشارع المتنبي الذي كان قريبًا من مدرستي المتوسطة والذي منه اقتنيت كل كتبي .. فمساحة ذاكرتي احتلتها حوادث الطفولة تتبعها المراهقة وأول الشباب قبل أن أغادر العراق .. وكما قلت لحضرتك وطني هو المنبع الأول لمفرداتي والأساس الذي انطلقت منه .. ومهما ابتعدت لن استطيع إلا أن أكون ابنته.. بل أن المسافات تعزز الحب وتزيد من الوهج الذي يحيط بكل شيء يربطك بوطنك .
س: ومتى تتخلصين من هذا البعد ونرى لك إبداعات تعكس على الأقل أوضاع المغتربين العرب بدول المهجر ؟
الكاتب أو حتى الإنسان العادي هو ابن البيئة التي يجد نفسه مرتبطًا بها .. تأثيراتها عليه ستظهر شاء أم آبى خاصة إذا حرص على العيش وسط هذا المجتمع الجديد .. فالحياة تتطلب منه أن يكون مندمجًا ليتمكن من الاستمرار .. هذا بالنسبة للإنسان العادي فما بالك بالكاتب الذي يملك عين ثالثة تمكنه من رصد كل صغيرة وكبيرة وكل حادثة تمر عليه للاستفادة منها لتكون له كالخزين لكتاباته .. وكما نعرف أن المجتمعات الغربية مجتمعات تحمل من الخصائص والعادات والثقافات ما يجعلها مختلفة تمامًا عن مجتمعنا لكن هذا الاختلاف يصب في النهاية لمصلحة الكاتب إن أحسن استخدامه وتوظيفه .. أما عن سؤالك عن متى اتخلص من هذا البعد وأبدأ في الكتابة عن أوضاع المغتربين في دول المهجر.. سأقول لحضرتك أن أولى قصصي كانت تتحدث عن هذا الجانب .. فصورت في قصة المرفأ الأخير معاناة القادمين لهذه البلاد والمخاطر التي قد تتسبب في مقتلهم قبل الوصول لبر الأمان وفي قصة زهرة من الجدول صورت معاناة من يتزوج من أجنبية وينجب منها وتبعات هذا الشيء على العائلة والابناء وقصص اخرى تتحدث عن جوانب أخرى من حياة المغتربين في أوربا وقصة أخرى تبين الضياع الذي يتعرض له بعض المراهقين مما تغيب عنه عين الرقيب ..
فالكتابة في النهاية هي توثيق لحياة الإنسان على هذه الأرض مع الأخذ بنظر الاعتبار انتماءاته وتوجهاته الفكرية ليس لتمييزه بها بل لأن محور حياته ستدور حول تلك الانتماءات والتوجهات وما التداعيات والتشظيات التي تنتجها اختياراته ما هي إلا تجربة تضاف لتجربة البشر مجتمعة .
س: فى ظل التقدم التقنى المذهل وظهور أدوات حديثة للميديا هل مازلت تراهنين على الكتاب الورقى كوعاء مناسب لنقل المعرفة ؟
في الآونة الأخيرة بدأنا نسمع ونقرأ عن هذا الموضوع وكيف أن القراءة في الكتاب أجمل وأمتع من غيرها وسيلة وكيف أن وسائل الميديا الحديثة قد أثرت على الكتاب وسحبت منه البساط لصالح تلك الوسائل .. في رأيي أن الجدال في هذا الموضوع جدال عقيم لا فائدة منه ترتجى لأن التغيير سمة من سمات أي عصر .. فالسابقون كانوا يكتبون ويقرأون بواسطة الألواح الطينية أو جلود الحيوانات قبل أن يُعرف الورق .. كل شعب في وقتهاختار الوسيلة المتاحة له والمناسبة للكتابة .. أما عن رأيي فأنا أجد أن المهم في موضوع القراءة ليس الوسيلة سواء كانت الكتاب المقروء أو المسموع أو ما تنقله وسائل الاتصال الحديثة بقدر أهمية ما تحتويه تلك الوسائل .. وأخيرًا أعتقد أن الكتاب موجود لن تستطيع أية وسيلة أخرى القضاء عليه فقط على الناس أن تقتنع أن العلم قد أنجب أخًا للكتاب لا يقل أهمية عنه .. فمن رغب في اقتناء الكتاب سيجده ومن أراد أن يتزود بالمعلومات عن طريق النت فأيضًا يستطيع بكل سهولة الحصول على ذلك .. عن نفسي لا استغني عن الاثنين خاصة أنني هنا في هذه البلاد أعاني من شحة الكتاب الورقي لهذا أجد في الكتاب المحمل من النت خير بديل ..
س: مررت بتجربة غربة عن الوطن الأم ربما كانت قسرية نظرا للظروف التى مر بها وطنك الأم … فماذا عن أثر الغربة فى كتاباتك وماهى أهم ملامح هذا الأثر ؟
ليست هذه هي المرة الأولى التي أغادر فيها العراق ..لقد سافرت عدة مرات وعشت في عدة مدن عربية وغربية قبل أن استقر في مدينة صوفيا عاصمة بلغاريا .. وربما لهذا السبب لن تجد موضوع الغربة في كتاباتي قد اخذ حيزًا أوسع من باقي الموضوعات والعناوين .. وربما السبب الأكبر انني لم أعد أشعر بغربة المكان لأنني ألفت ذلك الشيء بعد أن أصبحت غربة الناس والأشخاص الذين نقابلهم هي الابشع .. ثم أن المجتمع الأوروبي لم يعد كالسابق .. فالعرب المهاجرون قد ملئوا عواصم ومدن أوروبا .. هذه التجمعات قد خففت من شعور الوحدة التي قد يعاني منها البعض ..
أما عني ككاتبة فكل تركيزي في الكتابة عن قضية الإنسان بشكل عام وفي أي مكان ومن أي ثقافة ينحدر لأنني مؤمنة إنها في النهاية تصب في خدمة البشر كافة .. في النهاية أنا إنسانة تؤمن بأننا نستطيع أن نصنع ذكرياتنا الجميلة في أي مكان نحط فوقه رحالنا بل أن البيئة الجديدة بكل ما تحمل من اختلاف وتنوع في كل شيء قد وسع من تجربتي الإنسانية والمعرفية وذلك في النهاية سينعكس على أفكاري وكتاباتي التي هي مرآة تلك الأفكار .
س: للترجمة دور فاعل فى نقل المعارف والأفكار كما أنها تعد جسر التواصل الأهم بيننا كعرب وبين الأخرين فهل سعيت لترجمة أعمالك خاصة وأنت تعيشين فى أوروبا منذ فترة ولديك خبرة ودراية بلغتك الأم ولغة – دولة المهجر ؟
سؤال مهم جدًا بالنسبة لأي كاتب وخاصة أن للترجمة الدور الكبير في تعريف الناس به وبيان ثقافته وإدراكاته من خلال كتاباته والأهم تعريف بعادات وتقاليد البلد الأم للكاتب .. في البداية لم يشغلني هذا الموضوع لأنني كنت منشغلة بتأسيس ذاتي وإيجاد مكانًا لي دون الالتفات لأي شيء آخر .. لكن الآن وبعد أن بلغت قصصي أكثر من مئتي قصة .. أعتقد أن الوقت حان للتفكير في هذا الموضوع وبالفعل فأنا قد خططت لترجمة مجموعتي الرابعة هنا في دولة بلغارية بالاتفاق مع إحدى دور النشر بعد صدورها باللغة العربية .. وسيتم هذا في العام القادم ..
س: ماذا عن الجوائز فى مسيرتك الإبداعية وماذا تعنى لك الجائزة ؟
لقد حصلت على خمس جوائز وكلها كانت عن المركز الأول في مجال القصة القصيرة .. أولى هذه الجوائز كانت من مهرجان همسة الدولي عام 2018 عن قصة الدخول في الشرنقة وأيضًا الجائزة الأخيرة من ذات المهرجان عام 2021 عن قصة إغراء بالمطاردة وما بينهما كانت هناك عدة جائزة من مجلة الآداب والفنون الورقية العراقية ومن مواقع إلكترونية كما حصلت على عدة تكريمات من جهات رسمية عديدة من داخل العراق وخارجه ..
الجائزة تعنيأن هناك من يقيم ما تكتبه وأنك محط اهتمام وتقدير وهي جرعة أمل تدفعك للمضي قدمًا وأيضًا تعني أن الكاتب على يسير على الدرب الصحيح خاصة إذا كانت تلك الجوائز تمنح من قبل جهات لها ثقلها وسمعتها في هذا المجال ..
س: لاحظت ومن خلال قراءة سيرتك الذاتية أن لديك إهتمام بحضور المهرجانات والفعاليات الأدبية والفنية بالعالم العربى فما اثر هذا الولع على مشروعك الأدبي ؟
الفن والأدب هما واجهة كل شعب .. متى ما رأيت أمة من الأمم تهتم بهذا الجانب على حد سواء مع الجوانب الأخرى فأعلم أنها سائرة في طريقها الصحيح على أن يكون الفن غايته الارتقاء والسمو بالإنسان وتوسيع مداركه في محاولة لخلق إنسان واع يستطيع أن ينشر الخير وقيمه ليحدث التوازن على الأرض .. أما عن قولك من أنني مولعة بحضور تلك المهرجانات والفعاليات الأدبية .. فأقول لك نعم أنا كذلك لأنها فرصة لي من أجل أن تتوسع تجربتي في الحياة وبالتالي إنعكاس تلك التجربة على كتاباتي .. هذا من ناحية والناحية الأخرى لقد التقيت وتعرفت في تلك المهرجانات على أدباء عرب أصبحوا فيما بعد أصدقاء لي أضافوا لي الكثير على الصعيد الإنساني والأدبي خاصة أنني أعيش في مجتمع العلاقات فيه شبه محدودة وهذا ما تفرضه طبيعة الحياة فيه ..