بقلم: اسامة كامل أبو شقرا
بالأمس (13/1/2016) قرأت في إحدى الصحف اللبنانية خبر استدعاء الطفل حسين سعد، ابن الثماني سنوات، إلى المحكمة العسكرية بتهمة الاعتداء على قُوى الأمن قبل سنتين، أي يوم كان ابن السنوات الست، وتبين أن تشابه الأسماء كان سبب استدعائه. فعادت بي الذاكرة، لأكثر من أربعة عقود، مسترجعًا طُرفَةً رواها لي الصديق الدمشقيُّ، إحسان حنيف، رحمة الله عليه، إذ قال:
كان في دمشق طبيبٌ يدعى إبرهيم الساطي، رحمه الله،( توفي في العام 1948) وكان يتصف بمحبة الناس وعمل الخير ومساعدة الفقراء، وهذا ما جعله ذائع الصيت في معظم أحياء دمشق وخاصة الشعبية منها. ولكنه كان يتميز بجسدٍ مفرطٍ في السُمنة قد يبلغ قطره حوالي المتر. وإذا ما أراد ركوب “الحنطور” (عربة الخيل)، فكان يقتضي أن يُمسك بالجهة الأخرى من الحنطور، وبشدّة وقوة، أربعة أو خمسة شبانٍ أقوياء البنية، وإلّا انقلب الحنطور والحصان معًا.
وحدث مرة، في أحد الأسواق المكتظة بالمتسوقين والباعة، أنَّ صبيًّا، لم يكن بعدُ قد بلغ الحلم، صدم، بدراجته، سيدة أجنبية كانت تعيش في دمشق، بحكم عملها في إحدى المؤسسات التابعة لبلدها، فأمسكت به واستدعت شرطيًّا كان بالقربِ من مكان الحادث وشاهد ما حصل. فجاء هذا الأخير وبيده دفتر محاضر تسجيل المخالفات، فطلبت منه تلك السيدة تسجيل شكواها لمعاقبة الصبي، وقد كانت تتكلم العربية بقليلٍ من الصعوبة.
سأل الشرطي الصبي: ما اسمك؟
قال: إبرهيم الساطي.
– أين تقطن؟
– في حيِّ الميدان.
وبينما الشرطي منهمكًا بكتابة المحضر، أطلق الصبيُّ لقدميه العنان هاربًا، وتغلغل بين جموع الناس وضاع أثره.
أخذت الشكوى مسارها القانونيَّ حتى وصلت إلى المحكمة المختصة التي استدعت بدورها الفريقين المسميين في المحضر. وفي الموعد المحدد نادى القاضي عليهما فوقف كلٌ منهما في المكان المخصص له أمام منصة القضاء، وقبل أن ينظر القاضي إلى الماثلين أمامه، إذ كان بصدد فتح ملف الدعوى والاطلاع على أوراقها، بدأ بكلام موجهٍ إلى المدعى عليه قائلًأ:
إبرهيم الساطي، أنت متهمٌ بأنك في يوم كذا كنت ممتطيًا دراجة هوائية…
وقبل انتهائه من نطق كلمته الأخيرة هذه، كان قد رفع ناظريه، فتوقف عن الكلام حين رأى ذاك المشهد المفاجئ، وكأنه من مسرحية فكاهية، المرأة تكاد تقع أرضًا مغشيًا عليها من شدة الضحك، يقابلها رجلٌ تقوله جبلًا من لحم وعظم. فاستغلَّ هذا الأخير صمت القاضي وقال: يا سيدي القاضي، دعني أتمكن من ركوب دراجة هوائية لدقيقة واحدة وبعدها أودعني السجن عامًا كاملًا.
فانفجر القاضي وجميع من في قاعة المحكمة بالضحك والقهقهة. ولما هدأت الأصوات، كانت السيدة المدعية قد أدركت ذكاء وبداهة وفطنة ذلك الصبي الذي تخلّص من المأزق ولم يورّط أحدًا، فبادرت بطلب سحب شكواها وبالاعتذار من هيئة المحكمة ومن الدكتور إبرهيم على ما تسببت له من إزعاج وحرج.
فأصدر القاضي قراره بإقفال ملف الدعوى وشطبها حسب الأصول لانتهاء الخصومة بين فريقيها.
ويكمل صديقي قائلًا: ويقال، إن تلك السيدة من شدة إعجابها بذكاء وسرعة بديهة ذلك الصبيِّ، نشرت فيما بعد إعلانًا في إحدى الصحف الدمشقية تطلب من الصبي أن يأتيها واعدة إياه بأنها على استعدادٍ للتكفّل بنفقات تعليمه حتى الجامعة.