بقلم: تيماء الجيوش
تقع الحروب والحروب الأهلية ، الطائفية في بلدانٍ مختلفة و تبعاتها تكون أشدُّ وقعاً على نسائها ، تحمل النساء الأطفال و ما تيسر من متاع إن تيسر في بحثٍ يائس عن سماءٍ آمنة ، تترك أسر بأكملها بيوتٍ و أرزاقٍ و مهن و أحلام غير لاويةٍ على شيئ سوى حماية حياة و دماء أفرادها و كرامتهم من عبث العنف ووحشيته. حدث هذا في سوريا، أفغانستان، العراق، وغيرها و اليوم في أوكرانيا. في أقطارنا العربية النساء هُنّ ضحايا الصراعات المسلحة الأكثر تضرراً إذًا ما أضفنا إليه ما تفرزه البيئة الاجتماعية الذكورية التي تستغل ضعف المرأة دون هوادة مما يجعل حمل العبء على كواهلهن أضعافاً مضاعفة .
لا يمكن النظر إلى مسألة الذكورية باختزال على أنها موجودة منعزلة عن بقية عوامل مختلفة . كما لا يمكن تحليلها دون العودة الى جوانبها المتعددة و مظاهرها من الخجل إلى التحرش بالنساء إلى مشاهدة الراقصات و البغايا إلى الانتقال إلى الصورة التقليدية للرجل المُستبد من يصون الدار و أهل الدار و الذي يحمي الشرف بأقسى و اشد صور العنف الدامي و يحميه تداخل التمييز و العنف ضد المرأة اجتماعياً مع النظام القانوني و التشريعي ما أدى إلى معايير مزدوجة يحق فيها للرجل أن يُسامح و لا يُعاقب ، المثال الأقرب هنا الفعل الجرمي و العذر في جرائم الشرف المبرر قانونياً ، اجتماعيا ، ثقافياً . ناهيك عن نصوصٍ أخرى انتهكت حقوق المرأة المالية و الاقتصادية و الاجتماعية و المدنية عموماً مما جعل القوانين العربية الناظمة لها من أسوأ القوانين في العالم ، هي ذات قوانين الأحوال الشخصية و العقوبات ذات اللون الواحد الذي اكتسبته من المرحلة العثمانية و ما لحقها حيث أُعتُمِدَ فيه على مقايضات تاريخية سياسية ثقافية نلتمس أثارها اليوم و تُجدف بعيداً عن أي تغييرٍ جندري حقيقي.
هذا كله ازدادت وطأته على النساء مع تواتر الحروب و التي أنتجت أسواقاً للنخاسة في القرن الواحد و العشرين و أسواقاً للسبايا و أسواقاً رابحة لزواج الصغيرات ، كل ما يقتضيه دفع مبلغٍ بسيط للأهل و قد أُلقوا في دوامة لا تنتهي من الخوف و القلق ، تحوم حول رأسهم فكرة نمطية عن السترة لفتياتٍ تعثرن بحربٍ أهلية بعثرت بهن و أُلقي بمستقبلهن نحو المجهول. و لا حماية تشريعية لهن حتى و إن حدد القانون سناً معينة للزواج كأن يكون ١٧ او ١٨ عاماً للفتيات ، فالزواج يتم بعقده بكل الأحوال و بجعله غير رسمي و غير مُسّجل لدى السلطات.
الأمر هنا ليس تمييزاً طارئاً أو بسيطاً لا أهمية له ، هو في حقيقة الأمر نظام ذكوري و ثقافة قرون و عقود مورست فيها عملية تهميش مستمر للمرأة على الصُعد المتعددة و المختلفة في أقطار العالم العربي. من الهام أن يُذكر ما سبق. من الأهم تحليل النظام الاجتماعي الذكوري و الذي دفع بالعديد الى التندر و إطلاق التعليقات في انتظار النساء أوكرانيا دون أدنى مستوى من الوعي الاجتماعي ودون استثناء مهم بل انضم في ثناياه النخبة التي تعيش ثنائية الموقف ، تعلن عن الحرية و الديمقراطية و عند الحديث عن النساء فلا بأس من الذكورية و لا خجل منها . وفقاً لهذه الشريحة من النخبة العربية و لموقفهم الفكري و الأخلاقي فلا ارتباط هناك، ولعل الصورة الأوضح لهذه الثنائية ما حدث على صفحات التواصل الاجتماعي عن الحرب و نساء أوكرانيا فهو يعكس تماماً ما تعانيه المرأة العربية. قتال و دمار و هروب إلى الأمام في بحثٍ عن الأمن و هناك من لديه الوقت كي يمارس ذكوريته دون حياء و يسخر من نساءٍ وقعن تحت نير الصراع المسلح دون أي حسٍ إنساني يُذكر . تعالوا نعكس الصورة قليلاً، ما كانت النتيجة لو قام الرجال في أوروبا بإطلاق النكات و الرسوم الكاريكاتورية و بأنهم في انتظار السبايا، في انتظار النساء و غزوات النكاح من نساءٍ و فتيات هربن من الحروب الأهلية/ الطائفية في سوريا و العراق و أفغانستان؟ كيف كان سيكون وقعها على ضحايا الحروب؟ أليس هذا مُخزياً إلى حدٍ بعيد؟ ألم تكن الأصوات سترتفع بالقول إلا نسائنا؟؟إلا أعراضنا و شرفنا؟ هل الموت يثير الضحك في عالمنا العربي؟ هل دماء الضحايا المدنيين و آلامهم و تشردهم يثير النكات و السخرية و يكون مُلهماً لصورٍ كاريكاتورية تعكس ذكورية رثة و مثيرة للشفقة؟؟