بقلم: فـريد زمكحل
اسم كبير لدولة كبيرة بدأ يتردد كثيراً في السنوات والشهور الأخيرة في كل أنحاء العالم كمنافس رئيسي على زعامة النظام الدولي الجديد إقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، ما دفع بمجلة «فورين أفيرز» لتناول هذا الموضوع من وجهة النظر الغربية عبر التدقيق في المنطلقات الفكرية للرئيس الصيني شي جين بينج عن الوضع العالمي، وكيف تعمل وتؤثر هذه المنطلقات في طريقة عمل الصين داخلياً وخارجياً، خاصة في عصر ما بعد الحرب الباردة وصعود الصين السريع تحت قيادة رئيسها، وعمق وقوة التحدي الذي يشكِّله هذا الصعود السريع على إمكانية استمرار الهيمنة الأمريكية على العالم، خاصة بعد نجاح الرئيس الصيني في ترسيخ سلطته أثناء المؤتمر الوطني العام الـ 20 للحزب الشيوعي الصيني في اكتوبر / تشرين الأول سنة 2022، ونجاحه في تأمين فترة رئاسية ثالثة غير مسبوقة منذ وفاة الزعيم الصيني الكبير ماوتسي تونج.
وقد لا يعرف الكثير من الساسة والمتابعين بأن الماركسية اللينينية هي أيدلوجية الصين الرسمية منذ عام 1949، وربما كانوا معذورين في ذلك لإعتياد المفكر الغربي للنظر إلى الشيوعية بوصفها أيدلوجية ميتة في الواقع الصيني المعاش، خاصة بعد قيام زعيم الحزب الشيوعي السابق دنج شياو بينج بتنحية العقيدة الماركسية اللينينية لسلفه الرئيس ماو في أواخر سبعينيات القرن الماضي منحازا إلى طريق من طرق الرأسمالية «رأسمالية الدولة»، وقد لخص دنج أفكاره بوضوح حول هذه المسألة أمام كافة الحضور في أحد المؤتمرات الكبيرة للحزب الشيوعي الصيني عام 1981 قائلا: «دعونا نتخلص من النظرية والتنظير» الذي سار على دربه الرئيس «جيانج زمين» ومن بعده خَلفه الرئيس «هوجين تاو» حيث قاما بتوسيع دور السوق في الاقتصاد الصيني المحلي مع تبنيهما لسياسة خارجية واحدة عظَّمت من مشاركة الصين في النظام الاقتصادي العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، والذي أنهاه الرئيس الصيني شي جين بشكل مفاجئ واستبدله بشكل جديد من الوطنية الماركسية التي تحدد اليوم مضمون وملامح السياسة الصينية اقتصادياً في سياستها الخارجية.
نعم لقد دفع الرئيس شي بالسياسة الصينية في اتجاه اليسار اللينيني وباقتصاد الصين في اتجاه اليسار الماركسي، وبالسياسة الخارجية الصينية في اتجاه اليمين القومي في خلطة فريدة أعادت نفوذ وقوة الحزب الشيوعي الصيني لسابق عهده من خلال إحكام سيطرته على كافة مجالات السياسة العامة والحياة الخاصة في الصين، الأمر الذي ساعده في بث روح الحياة من جديد في الشركات المملوكة للدولة واضعاً بعض القيود الجديدة على شركات القطاع الخاص مع إعادة فكرة القومية بانتهاج سياسة خارجية أكثر حزماً للصين مدعومة بإيمان ماركسي ومفهوم ثابت بأن التاريخ ينحاز إلى الصين بشكل لا رجعة فيه وإن عالماً يرتكز على القوة الصينية يُفضي إلى خلق نظام دولي جديد أكثر عدلاً، الأمر الذي لم تأخذه الإدارة الأمريكية بالجدية المطلوبة وتعاملت معه بشئ من الاستهتار قبل أن تفوق من غيبوبتها التي تسبب بها غرورها وخروجها عن فكرة الحرية والعدالة للجميع إلى سياسة الكيل بمكيالين وتقديم مصالحها ومصالح حلفائها على جميع المصالح المشروعة لكل دول العالم وخاصة الدول النامية منها.
ويُحسب للرئيس شئ أنه انتهج منهجاً واضحاً لحل مسألة التفاوت في توزيع الدخول بين الصين عام 2020 عُرف باسم «أجندة الرخاء المشترك» الذي بموجبه يلتزم الأغنياء بفكرة توزيع أموالهم «طواعية» لصالح البرامج الحكومية المدعومة من أجل تقليص تفاوت الدخول والذي تحقق بنهاية عام 2021 إيذاناً بانتهاء عصر الإصلاح والانفتاح الذي دشَّنه دنج لنشهد بداية عقيدة اقتصادية جديدة للدولة الصينية، الأمر الذي وضع الولايات المتحدة وحلفائها أمام اختبار جاد سيتطلب منها العودة الجذرية إلى المبادئ التي ميزَّت السياسات الليبرالية الديمقراطية في أسرع وقت ممكن والدفاع عن تلك المثل العليا قولاً وفعلاً من خلال نظام دولي جديد متعدد الأقطاب يحترم القانون الدولي قادر على تحقيق العدل والعدالة للجميع …
هنيئاً للصين بزعمائها المخلصين الوطنيين .. وعقبال عندنا!!