عادل عطية
كان “هارمودياس”، ينحدر من سلالة طويلة من الأسر الكريمة، فتهكم على “إيفيكراتس” بوضاعة أصله.. فكان جوابه: “إن مجدي يبدأ بي، لكن مجدك ينتهي بك”! ففيما كان “هارمودياس”، يعيش على أمجاده الغابرة، حيث خبت فيه شعلة العطاء المتجدد، كان “إيفيكراتس”، كزهرة الشرق.. زهرة النيلوفر، التي قال عنها الأديب الكنفوشي “تشو تون – يي”: “من التربة الموحلة تنهض، لكن الوحل لا يلوثها، وتنمو عالياً نحو ضوء النهار، وتكشف عن جمال بھي لا تشوبه شائبة من الظلام الذي عبرته.. إنها الزهرة النبيلة التي تُعبّر عن روح الإنسان النقي”!
ويسطّر لنا التاريخ، عن أبناء بدأ مجدهم، بهم..
.. كريستوفر كولومبس، مكتشف العالم الجديد، كان والده يجلس على الشاطئ وينسج شباك الصيد!
.. وسوفوكليس، الشاعر اليوناني العظيم، كان ابناً لحداد!
.. وشكسبير، شاعر الإنجليز الكبير وأبو المسرح في إنجلترا، كان أبوه بائعاً للصوف!
.. وإبراهام لنكولن، الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة الأمريكية، كان أبوه فقيراً، اشتغل بالزراعة حيناً، وحمل الأثقال على كتفيه أحياناً كثيرة!
.. أما الكاردينال انتونيللي، الذي احتل منصباً مرموقاً في الفاتيكان، فكان ابناً لواحد من رجال العصابات الخطيرة!
لم يتنكر أحد من هؤلاء الأبناء، الذين دخلوا التاريخ المضيء، لأصله وفصله، بل كان البعض منهم يفاخر بماضيه، حتى الكاردينال، رجل الدين الذي لم يجد في ماضيه ما يفخر به، كان يقدم والده للناس، ويقول: “لقد ضل الطريق، ولكنه تاب.. وقبل الله توبته”!
ولا يزال في عالمنا اليوم، أمثال تلك الزهور البشرية المجيدة، تصعد – كما في الماضي – من الأعماق الوضيعة والموحلة لآلاف من البشر؛ لتعلن لنا في جلاء واضح: أن الله قادر أن يخرج من الجافي حلاوة، ومن الطين زهرة لوتس!…