بقلم: د. حسين عبد البصير
يوم مجد كارتر الحقيقي
بدأت الحفائر في العام نفسه، ومضى دون أية نتائج مشجعة. وتذكر كارتر كل ما قاله أسلافه علماء الآثار السابقون أمثال جان-فرانسوا شامبليون وجاستون ماسبيرو وجيوفاني بلزوني من أن الوادي قد لفظ كل ما بداخله من آثار. ولم ييأس كارتر وواصل العمل بجدية وصبر. فقد كانت ثقة كارنافون تدفعه وحبه وصبره يشدان من أزره الذي لا يلين. واستمر الحفر خمس سنوات أخرى دون نتائج مرجوة. ومرّ صيف عام 1922. وكان إيمان كارتر كبيرًا بأنه سوف يعثر على مقبرة الفرعون الصغير ذات يوم. وبدأ اللورد كارنافون يقنط ويهمل الأمر كليةً ويدعه جانبًا؛ فطلب كارتر منه أن يمنحه فرصة أخيرة: «هذا الموسم الذي سوف يبدأ في نوفمبر 1922م». واستمر الحفر في مساحة صغيرة مثلثة الشكل أمام مقبرة الملك رمسيس السادس، لم يسبق الحفر فيها. وكان كارتر في مأزق حقيقي إن لم يعثر هذا الموسم الأخير على هذه المقبرة، فسوف يرحل اللورد إلى إنجلترا ويفقد التمويل المادي وتذهب جهوده المضنية لسنوات طوال وأحلامه أدراج الرياح.
ولم يكن يعلم كارتر أن صباح الرابع من نوفمبر هو يوم مجده الحقيقي. يقول كارتر في كتابه الممتع عن مقبرة الملك توت عنخ آمون في معرض حديثه عن ظروف الاكتشاف: «هذا هو بالتقريب الموسم الأخير لنا في هذا الوادي بعد تنقيب دام ست مواسم كاملة. وقف الحفارون في الموسم الماضي عند الركن الشمالي الشرقي من مقبرة الملك رمسيس السادس. وبدأت هذا الموسم بالحفر في هذا الجزء متجهًا نحو الجنوب. وكان في هذه المساحة عدد من الأكواخ البسيطة التي استعملها كمساكن العمال الذين كانوا يعملون في مقبرة الملك رمسيس السادس. واستمر الحفر حتى اكتشف أحد العمال درجة منقورة في الصخر تحت أحد الأكواخ. وبعد فترة بسيطة من العمل، وصلنا إلى مدخل منحوت في الصخر بعد 13 قدمًا أسفل مهبط المقبرة. وكانت الشكوك وراءنا بالمرصاد من كثرة المحاولات الفاشلة، فربما كانت مقبرة لم تتم بعد، أو أنها لم تُستخدم، وإن اُستخدمت فربما نُهبت في الأزمان الغابرة، أو يُحتمل أنها مقبرة لم تُمس أو تُنهب بعد. كان ذلك في يوم 4 نوفمبر 1922».
ثم أرسل كارتر برقية سريعة إلى اللورد كارنافون يقول فيها: «أخيرًا، اكتشاف هائل في الوادي، مقبرة كاملة بأختامها، كل شيء مغلق لحين وصولك. تهانينا».
وهكذا سقطت مزاعم علماء الآثار أمثال شامبليون وماسبيرو وبلزوني ممن عملوا في وادي الملوك وزعموا أنه لم يعد هناك شيء في باطنه. وهكذا تأكد ويتأكد للعالم أن الرمال المصرية لم تبح بكل أسرارها بعد وما تزال تحتفظ بالكثير من الآثار الرائعة في باطنها لأجيال عديدة قادمة حتى تظل مثيرة للدهشة إلى أقصى درجة ممكنة إلى أن يرث الله الأرض وما عليها. ثم توالت بعد ذلك مراحل الكشف الأخرى إلى أن تم نقل محتويات المقبرة إلى المتحف المصري في القاهرة لتظل شاهدة على حضارة لم ولن تندثر أبدًا. وتعتبر هذه المجموعة من الآثار الفريدة من أعظم آثار العالم قديمه وحديثه وآثار مصر الفرعونية قاطبة. وسوف تُخصص قاعات بالمتحف لعرض آثار الفرعون الذهبي منذ الميلاد إلى الممات، وسوف تكون قبلة للزائرين للمتحف من جميع أنحاء العالم، وسوف تركز على آثار وأسطورة الفرعون الذهبي الذي أذهل العالم منذ اكتشاف مقبرته إلى الآن، وسوف تعرض بطريقة جديدة تمامًا وفى مساحة تبلغ حوالي سبعة أضعاف المساحة الحالية المعروضة فيها آثار الفرعون الذهبي بالمتحف المصري بميدان التحرير، وسوف تعرض آثار الفرعون الذهبي مجتمعة لأول مرة. وأردد مع كارتر قوله: «ما زال الغموض في حياة الملك «توت عنخ آمون» يلقى بظلاله علينا، فعلى الرغم من أن تلك الظلال تنقشع أحيانًا، فإن الظلمة لا تختفي من الأفق أبدًا». وهذا في الحقيقة شأن من شؤون الحضارة المصرية القديمة العريقة.
الدرج العظيم.. أشهر المصريين القدماء
سوف يعرض على الدرج العظيم بالمتحف المصري الكبير عدد كبير من أهم وأروع الأعمال الفنية التي جاءت من مصر القديمة، وتمثل أشهر الملوك والملكات والنبلاء والنبيلات في مصر القديمة ورجال البلاط ورجال العسكرية المصرية العريقة. وتبلغ مساحة الدرج العظيم حوالي ستة آلاف متر مربع بارتفاع حوالي ستة أدوار وسوف يُعرض عليه عدد كبير من القطع الضخمة الرائعة. وسوف يعطى هذا السلم فكرة سريعة ومهمة وخاطفة للزائر عن أعظم الشخصيات المصرية القديمة وروائع الفن المصري القديم من مختلف المواد والأوضاع والوسائط الفنية المختلفة عبر العصور التاريخية المصرية القديمة.
مركبا خوفو في متحف مستقل
من المقرر عرض مركبي الملك خوفو، بعد الانتهاء من ترميم مركب خوفو الثاني بعد نقل المركب الأول، في متحف مستقل في أرض المتحف المصري الكبير خلف مبنى المتحف الرئيسي. وتم نقل أغلب أخشاب المركب الثاني، بعد أن ترميم الأخشاب بواسطة بعثة مصرية-يابانية، إلى المتحف المصري الكبير. وتقع الحفرة الموجود به أخشاب ومكونات هذا المركب جنوب هرم الملك خوفو بهضبة أهرام الجيزة، وهي مغطاة بعدد كبير من الكتل الحجرية من الحجر الجيري متراصة جنبًا إلى جنب، وكانت تحوي الحفرة الأخشاب التي كان يتكون منها هذا المركب العظيم. ويُطلق على هذا المركب «مركب الشمس». وتعددت الآراء حول وظيفة وتسمية هذا المركب في مصر القديمة، فالبعض رأى أنه مركب جنائزي، والبعض الآخر ظن أنه مركب شمسي. وكانت حفر المراكب حول الأهرام من بين أهم عناصر المجموعة الهرمية في عصر الدولة القديمة. وكانت تتضمن هذه الحفر مراكب جنائزية استخدمت لنقل جثمان الملك إلى الأماكن المقدسة لإله الموتى أوزير ثم نقله إلى الجبانة. وكانت تتضمن أيضًا أنواعًا من مراكب الشمس التي يمكن للملك أن يستخدمها في زيارته لإله الشمس، أو تتضمن بعض المراكب كان قد يستخدمها الملك لمرافقة إله الشمس في رحلاته النهارية والليلية.
مصر سيدة العالم الثقافية
في النهاية، فإن هذا عرض سريع كلي وشامل للمتحف المصري الكبير الذي سوف يعبر عن مفهوم الخلود في مصر القديمة؛ ذلك المفهوم التي قامت عليه حضارة مصر القديمة والذي بسببه أنتج لنا كل هذه الآثار والروائع من مصر القديمة. وأعتقد أن هذا المتحف سوف يُكتب له الخلود أيضًا على وجه الزمن مثله مثل الحضارة المصرية القديمة ورسالتها الخالدة، التي سوف يضم آثارها، ويعبر عنها بجلاء تام ووضوح كبير، ويوصلها للعالم كله من خلال قيم مصرية عريقة قائمة على حب العلم والإيمان والعمل والإبداع والتسامح والعدالة والتوازن الكوني والأخلاق. إنها مصر القديمة سيدة العالم القديم، ومصر الحديثة سيد العالم الثقافية الكبرى.
يوم المتاحف
تحتفل مصر يوم 18 مايو كل عام باليوم العالمي للمتاحف؛ وذلك لأن متاحفنا المصرية عريقة وعظيمة وتقدم خدمة مميزة وبأسعار رخيصة مقارنة بأسعار المتاحف العالمية علمًا بأن بعض المتاحف في العالم خصوصًا في المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية تقدم خدماتها مجانًا، غير أن المعارض الخاصة والمعارض القادمة من خارج البلاد بها هي التي تكون ذات تذاكر مرتفعة. وترتفع تذاكر المتاحف في البلاد الأجنبية إلى عشرات الدولارات أو اليورهات أو الجنيهات الإسترلينية، على عكس المتاحف المصرية التي تقوم في المقام الأولى على تقديم الخدمات الثقافية بسعر رخيص من أجل توضيح رسالة مصر الحضارية إلى العالم كله بثمن لا يُذكر.
لقد عرفت مصر المتاحف منذ القرن التاسع عشر في عهد الخديو إسماعيل،
وتم تأسيس بعض المتاحف في مصر كمتاحف منذ البداية على عكس
عدد كبير من المتاحف في العالم، مثل المتحف البريطاني في لندن، ومتحف اللوفر في باريس، والتي كانت قصورًا ثم تم تحويلها إلى متاحف مع الوقت، على عكس المتحف المصري في ميدان التحرير الذي تم تأسيسه منذ البداية في عام 1902 كي يكون متحفًا وفقًا لأحدث تقاليد لبناء وعرض المتاحف في أوائل القرن العشرين.
ويعد متحف الآثار في مكتبة الإسكندرية أول متحف آثار يُقام داخل مكتبة. وجاءت هذه المبادرة نتيجة اكتشاف عدد من القطع الأثرية في موقع المكتبة. وتم تشكيل لجنة لإعداد الدراسات اللازمة لتكوين متحف يضم بعض الأعمال التي تم العثور عليها في موقع المكتبة. وتم تشكيل لجنة من الأثريين لإعداد خطة للمتحف. وتضم مجموعة المتحف عصورًا مختلفة للحضارة المصرية بدءًا من العصر الفرعوني وحتى العصر الإسلامي مرورًا بالحضارة اليونانية التي جاءت إلى مصر مع قدوم الإسكندر الأكبر والتي أعقبتها الحضارة الرومانية ثم القبطية قبل دخول الإسلام إلى مصر.
وجاءت فكرة استضافة متحف للآثار داخل مجمع مكتبة الإسكندرية الثقافي حين تم اكتشاف عدد من القطع الأثرية الرائعة التي تعود للعصر الهيللينستي والروماني والبيزنطي، وذلك ضمن أعمال الحفر التي تمت قبل إقامة المكتبة في موقعها هذا. ومتحف الآثار هو أحد المتاحف القليلة في العالم التي تعرض قطعًا فنية تم اكتشافها في نفس مكان عرضها. وقد تم افتتاح المتحف رسميًّا في ١٦ أكتوبر ٢٠٠٢. وقد اختيرت مقتنياته بعناية لتعكس تاريخ مصر الثري والمتعدد الثقافات والممتد عبر الثقافات الفرعونية واليونانية والرومانية، والقبطية والإسلامية، مع التركيز على الإسكندرية والمرحلة الهيللينستية.
وتعتبر المتاحف مهمة لمراكز ثقافية على مر العصور، ويعد افتتاح المتاحف الجديدة فى مصر مفيدًا للغاية وله تأثير كبير على جذب السياحة لمصر على اعتبار أن مصر هي الدولة السياحية المهمة في نظر العالم من ناحية السياحة؛ إذ أن مصر هي قلب العالم القديم، ومن أبرز مناطق الجذب السياحي في العالم وواجهة العالم الثقافية. وتتنوع الأنشطة الاقتصادية في مصر التي يعمل بها السكان كالزراعة والصناعة وتأتي السياحة على رأسها. وتمتاز مصر بتوفر العديد من المقومات السياحية الفريدة التي تجذب العديد من السياح من جميع أنحاء العالم إلى زيارة مصر باستمرار؛ لأن من يزور مصر مرة سوف يأتي إلى زيارتها دومًا وأبدًا. ويعتبر النشاط السياحي أحد أهم الأنشطة الاقتصادية في مصر والذي يربط الماضي بالحاضر ويبني المستقبل. والسياحة في مصر متنوعة الأغراض المختلفة مثل الترفيه أو معالجة الأمراض أو الإفادة العلمية أو لأغراض دينية وروحية. وعندما يترك السائح بلده، فإن هدفه التنقل من مكان إقامته الأصلي لغرض السياحة والتمتع بزيارة بلد جديد وجميل مثل مصر، وهذا هو الذي تحققه له السياحة لمصر.
ومصر تمتاز بتعدد أنواع السياحة ذات الأغراض المتنوعة مثل السياحة الثقافية وتشمل السياحة التاريخية وسياحة المؤتمرات والمهرجانات والمعارض، والسياحة الترفيهية وتشمل سياحة الشواطئ والسفاري والبيئية والنيلية، والسياحة الرياضية، والسياحة الطبية. وساهمت هذه الأنواع السياحية المتنوعة في مصر في جعل مصر من أهم الدول السياحية في العالم كله. وتتوافر مقومات الجذب السياحي في مصر مثل المقومات الطبيعية التي تشمل الموقع والمناخ والطبيعة الخلابة، والمقومات البشرية مثل تنوع الآثار التاريخية وأصالتها، والأمن والأمان، ووفرة وسائل النقل والمواصلات والاتصالات، ووفرة المنشآت السياحية، وعادات وتقاليد الشعب المصري. وتطل مصر على البحرين المتوسط والأحمر. وساعد موقع مصر في جذب السياح لها. ويتميز مناخ مصر بأنه معتدل طوال العام خصوصًا في الشتاء. ويزيد عدد الزائرين لمصر في الشتاء بسبب جمال ودفء الجو وشمس مصر الساحرة في القاهرة في الشتاء؛ لذا فإن موسم الشتاء هو الموسم المفضل والمتنوع والذي يجب أن يتم استغلاله بشكل أفضل لزيادة السياحة الوافدة إلى مصر سنويًا.
إن مصر معروفة بتوفر العديد من المقومات السياحية الفريدة من خلال النشاط السياحي الذي يعتبر أحد أهم الأنشطة الاقتصادية في مصر. وتمتاز مصر بتعدد أنواع السياحة ذات الأغراض المختلفة. وساهمت هذه الأنواع السياحية المتنوعة في جعل مصر من أهم الدول السياحية في العالم كله. وتتوافر مقومات الجذب السياحي في مصر. وتطل مصر على البحرين المتوسط والأحمر. وساعد موقع مصر في جذب السياح لها. ويتميز مناخ مصر بأنه معتدل طوال العام خصوصًا في الشتاء. ومصر هي الواجهة المفضلة للعديد من السائحين حول العالم؛ لذا فإن بناء المتاحف الجديدة مفيد ومهم لزيادة السياحة الوافدة لمصر في يوم احتفال مصر باليوم العالمي للمتاحف.
التكملة في العدد القادم