بقلم: تيماء الجيوش
في التاسع من نيسان /ابريل يُحتفل في كندا سنوياً بيوم يُدعى فيمي ريدج / VIMY RIDGE. حيث يتم تكريم ذكرى كنديين ادّت شجاعتهم الى أهم الانتصارات في الحرب العالمية الأولى بل ولحظة حاسمة في التاريخ الكندي عندما تم في العام ٢٠١٧ استعادة منطقة فيمي ريدج في شمال فرنسا من السيطرة الألمانية . و كما ذكر المؤرخون فقد كان انتصاراً بعد محاولات عديدة فشلت منذ العام ٢٠١٤ لاستعادة تلك المنطقة دون جدوى. راح ضحية ذلك ١٥٠ الفاً من الجنود الانكليز والفرنسيين.
في ساحة معركة فيمي ريدج في شمال فرنسا ، أودى بعض من أعنف المعارك في الحرب العالمية الأولى بحياة ما يقرب من 3600 كندي شجاع وجرح أكثر من 7000 آخرين. هناك ، في مواجهة عدو مجهز وظروف صعبة ، أظهر الجنود الكنديون تصميمًا وشجاعة ملحوظة ، وقاتلوا جنبًا إلى جنب – الناطقون بالفرنسية والإنجليزية والكنديون الجدد والكنديون السود والشعوب الأصلية – واستخدموا تكتيكات مبتكرة لضمان النصر. كان هذا دفاعاً عن قيمٍ مشتركة تتمثل في السلام والحرية و الديمقراطية ، وكان لتضحياتهم أن تدفع نحو بناء السلام. لهذا اليوم رمزية و خصوصية في كندا ، وهو على رمزيته يدعونا الى قراءة التاريخ و قراءة دور المرأة وما قامت به في ظل الحروب و رغبتها في السلام والدفاع عنه . رغبتها أن تكون جزءاً لا يتجزأ من مجتمعها وأنها أخذت على عاتقها تحمل مسؤولية مضاعفة ، أن تحافظ على أسرتها و ان تقوم بواجباتها و عملها الملقاة على كتفيها.
الحروب بالمجمل أثرت على حياة مجتمعات بأكملها ولا سيما النساء في عدة مناحي وبصرف النظر عن المناطق الجغرافية التي كانوا يتوزعون فيها. حروب قديمة أم حديثة. لا يقتصر هذا على تأثير الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية على المجتمعات الإنسانية بل ما وقع أيضا في أزمانٍ أبعد من ذلك ، في القرن التاسع عشر على سبيل المثال و ما شهده من صراع وحروب دامية لم تُستثنى فيها النساء حيث تم احتجازهن ، اعتقالهن و سلب حرياتهن لأنهن ينتمين الى دولة معادية.
عند دراسة ادوار النساء خلال زمن الحروب في الماضي ، سنجد النساء تقوم بالأدوار التقليدية كامتدادٍ لأدوارهن وبما يتسق مع التوافق المجتمعي عن الجندر أي القيام بالأعمال التي لا تختلف فيها عما يقمن به يومياً ومنها الخياطة، الحياكة، متابعة المرضى والاهتمام بهم ، أيضا حماية الأملاك ، وتقديم الطعام والدواء لمن يحتاجها بالعموم. غير أن الحال لم يبق على ما هو عليه بتأثير الحروب في القرن العشرين.
مع قيام الحرب العالمية الأولى تحديداً لم يكن هناك حق للنساء في التصويت أو الخدمة أو القتال مع بقية الجنود . رأى الكثير من النساء في الحرب فرصةً ليس فقط لخدمة البلاد ولكن للحصول على المزيد من الحقوق والاستقلال. دعم هذا الأمر واقعاً فرض نفسه مع ذهاب ملايين الرجال بعيداً عن منازلهم فكان أن ملأت النساء الفراغ الذي نتج بأن عملوا في القطاعات الصناعية والزراعية في الداخل ، أما على الخطوط الأمامية فكان دور النساء هو في العمل في التمريض و الطبابة و قيادة سيارات الإسعاف و الترجمة .
اعتمدت منظمات هامة مثل جيش الخلاص و الصليب الأحمر في كندا على النساء في إدارة المشافي و معالجة المرضى .
ولعل قيام النساء بادوار جديدة في قوة العمل لا سيما في الإنتاج الحربي والزراعة تحديدا كانت من العوامل الأساسية التي ساهمت في تغيير الدور النسوي و منح المرأة الكندية حقوقاً و حريات لم يكن معترف بها سابقاً. اعتمدت النساء على حقيقة انها كانت سبباً لا مرئياً في النصر ، انطلاقاً من أن الجانب الذي ينتج مزيداً من السلاح و يزود بها قواته هو المنتصر وواقع الحال ان عدد النساء في القطاع الصناعي لا سيما صنع الذخائر بلغ ٣٠ بالمئة من مجموع اليد العاملة في بعض البلدان في الحرب العالمية الاولى. وهكذا استطاعت المرأة الاستناد الى ما قدمته و عملها في هذه الظروف الاستثنائية في قطاع هام وحيوي من الدفع بالمطالبة بحقوقها . بات من السهل على النساء معارضة الأدوار التقليدية ما دمن قد اضطلعن بأعمال نوعية مختلفة عن السابق . ساهمت الى حدٍ بعيد في خفض سقف الاعتراض المجتمعي فهي لم تعد بذات القوة. قامت النساء على اختلاف انتماءاتهن و توجهاتهن السياسية و كذلك الحركة النسوية آنذاك بالمطالبة بحق الانتخاب. بالمشاركة بالإضراب، الأجور المتساوية و المساواة . كانت مرحلة ثرية تموج بالعديد من التغييرات الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية والثقافية ، كانت هي البدايات بكل ما واجهت من صعوبات جمّة في التطبيق ، لم تكن هناك سعيدة بالمطلق مع نهاية الحرب العالمية الأولى و النصر، فقد كان على المرأة أن تحارب الفقر و البطالة و صعود الفاشية و الأهم نضالها في سبيل المساواة. نحن اليوم نعيش نتائجها اليوم لا سيما على صعيد القانون الدولي و معاهداته و مواثيقه و الشرعات الوطنية الديمقراطية التي تفاخر و تجعل من احترام حقوق المرأة مقياساً أساسياً لمدنية و حضارة مجتمعاتها. .
فيمي ريدج هو يوم نذكر فيه من قام بالدفاع عن قيمٍ جميلة نفخر بها في كندا وطننا الأم الثاني و نذكر تضحية مجتمع بأكمله في سبيل الحرية والديمقراطية و هذا أضعف الإيمان. لكنه أيضاً وبذات الدرجة والثقل هو يوم نذكر فيه النساء شريكات النصر والسلام .
عيد فصح سعيد للطوائف الشرقية الكريمة. عيد فطر سعيد ،
تقبل صيامكم وأعمالكم. اسبوع سعيد لكم جميعاً.