بقلم: علي عبيد
في الوقت الذي كنا فيه منشغلين بمتابعة أحداث الهجمات الإرهابية التي شنها تنظيم «داعش» في أماكن متفرقة من العاصمة الفرنسية باريس يوم الجمعة 13 نوفمبر، أقدمت عناصر إرهابية مسلحة في ريف ولاية «سيدي بوزيد» التونسية، في المرتفعات القريبة من الحدود الجزائرية، على قطع رأس فتى تونسي يبلغ من العمر 16 عاما أمام ابن عمه الذي كان معه، وطلبت من الصبي البالغ من العمر 13 عاما أن يحمل الرأس المقطوعة إلى أهل الضحية. في رواية الطفل الذي قام بحمل الرأس مرغما، أنه بينما كان يرعى الأغنام مع ابن عمه في الجبل، ظهرت مجموعة مكونة من 4 عناصر، قاموا بإلقاء القبض عليهما، واستجوبوهما حول أسباب وجودهما في هذه المنطقة، فأخبرهم الفتى الذبيح أن الجيش طلب منهما أن يبتعدا عن المنطقة العازلة، وأن يرعيا أغنامهما هنا. إجابة الطفل هذه أثارت مخاوف المجموعة وشكوكهم في أنه مكلف بمراقبة المنطقة، فقاموا بالاستيلاء على 5 أغنام، وذبحوها قبل أن يقدموا على ذبح الصبي وتسليم رأسه لابن عمه الذي ما زال يعيش حالة صدمة، قائلين له: «سلم هذه الأمانة إلى عائلته»، وقد حرصوا على تصوير عملية الذبح بواسطة الفيديو.
حادثة تلقي بظلال كثيرة على طبيعة المنتمين إلى هذه الجماعات الإرهابية؛ أولها أنهم لا يفرقون بين رؤوس الغنم ورؤوس البشر، فهم يقطعون رؤوس البشر بالبرود نفسه الذي يقطعون به رؤوس الغنم. وثانيهما أنهم لا يفرقون بين صغير وكبير، فهم يعاملون الجميع على أنهم مجرمون يستحقون الذبح، حتى لو لم تتم الاستفادة من لحومهم. وثالثها أنهم يقومون بشن حرب نفسية على المجتمعات والدول، ويرهبون الجميع بمن فيهم الأطفال والصبية، ويحاسبونهم على أساس الظن وليس اليقين، ويصدرون الأحكام حسب القوانين التي وضعوها هم وليس المجتمع ولا الدولة، ولا حتى الخالق العظيم الذي من صفاته العدل والرحمة والرأفة التي لا يعرفها هؤلاء الإرهابيون القساة، لذلك هم يقدمون على القتل والذبح بدم بارد ومشاعر متبلدة، ويصورون عمليات الذبح التي يقومون بها، وينشرونها عبر حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي وعلى مواقعهم الإلكترونية، ليبثوا الرعب في قلب كل من يخالفهم ويفكر في التصدي لهم، أو يتعاطف مع من يختلف معهم.
قبل حادثة ذبح الطفل التونسي هذه، نشرت «كتيبة عقبة بن نافع» التي تعد المجموعة الإرهابية الرئيسية في تونس، والمرتبطة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، شريط فيديو تبنت فيه قتل راعيي أغنام بجبل في ولاية القصرين، زعمت إن قوات الأمن كلفتهما بالتجسس على من أسمتهم «المجاهدين» في الجبل، وأضع عشرين خطا تحت كلمة «المجاهدين» هذه التي تستخدمها الجماعات الإرهابية لتبرير ما تقوم به من عمليات إبادة ضد الأبرياء من البشر، ممن لا ناقة ولا جمل لهم في الحرب القائمة بينها وبين الأنظمة والدول، اللهم إلا أن هؤلاء البشر يريدون أن يعيشوا في مجتمعات آمنة مستقرة لا تستطيع أن توفرها لهم هذه الجماعات التي جُبِلت على العنف، بدليل تعامل تنظيم «داعش» مع الذين يعيشون في المناطق التي فرض التنظيم سيطرته عليها في العراق والشام، بغض النظر عن أعمار هؤلاء البشر وجنسهم، وهو تعامل ينم عن مدى وحشية التنظيم والمنتمين إليه.
نحن لا نستغرب إقدام هذه الجماعات على قتل البشر، أيًّا كانت أعراقهم أو جنسياتهم أو ديانتهم، كما أننا لا نفرّق بين هذه الجماعات مهما اختلفت أسماؤها، فالمنتمون إلى «داعش» الذين أقدموا على شن هجمات إرهابية ضد غير العرب والمسلمين الذين كانوا يمارسون حياتهم العادية في شوارع باريس ومطاعمها وقاعات احتفالاتها، لا يختلفون إطلاقا عن المنتمين إلى تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» الذين أقدموا على ذبح فتى عربي مسلم كان يرعى الأغنام على سفح جبل في ولاية «سيدي بوزيد» في تونس. نحن لا نستغرب هذا كله، لكننا نستغرب تعاطف بعض العرب والمسلمين مع قتل هذه الجماعات الإرهابية للأبرياء من غير العرب والمسلمين، ونشرهم تعليقات على المواقع الإلكترونية، وتغريدات ومقاطع مصورة على وسائل التواصل الاجتماعي، ينتقدون خلالها تعاطفنا مع كل من يقع عليه اعتداء، أيًّا كانت جنسيته أو عرقه أو ديانته، في الوقت الذي لا يفرق فيه المنتمون إلى هذه الجماعات بين المسلمين وغير المسلمين، ولا بين الحيوانات والبشر، فيذبحون الصبية الصغار بالسكين نفسها التي يذبحون بها الأغنام لإرهاب المجتمعات الآمنة وترويعها، تماما مثلما تفعل كل التنظيمات التي تتدثر برداء الإسلام، وتحمل اسمه زورا وبهتانا، وتتحدث بالنيابة عن المنتمين إليه، وترفع رايته التي أصبح لها ألف دولة وجماعة، كلها تسئ لهذه الراية، وتشوه صورتها، وتصبغها بالدم، غير مدركة أنها راية سلام وإخاء ومحبة، لا راية قتل ودماء.
نحن لا نتوقع أن تغير هذه الجماعات أفكارها، فالواضح أنها تزداد غلوا كلما ازدادت ولوغا في دماء الأبرياء من كل الأديان والشعوب والجنسيات، لكن الذي نأمله هو أن لا ينساق البعض وراء ما تحاول هذه الجماعات أن تروج له، فيتخذ مواقف تبدو في ظاهرها مدافعة عن العرب والمسلمين الذين يعانون في بعض الدول، لكنها تصب في خانة مناصرة هذه الجماعات الإرهابيىة، وتأييد ما تقوم به من عمليات إجرامية. وإذا كانت أحداث باريس قد شغلتنا عما حدث في تونس، فإنها يجب أن لا تجعلنا نحيد عن الصواب والحكمة.