بقلم: كلودين كرمة
وماذا تختار لنا ومتى وكيف؟ وهل ما تقدمه لنا هو فعلا ما نتمناه ؟ وما تهبنا إياه هل يكون فى حينه حسن ؟ وماذا عن من نلتقى بهم فى مراحل حياتنا منذ نعومة الأظافر وحتى شيخوختنا ؟ ومدى تأثيرهم على أفكارنا وسلوكنا وتكوين شخصياتنا وردود أفعالنا ؟
فبداية من العائلة فى أضيق الحدود إلى أول مواجهة مع العالم الخارجى فى سن صغيرة جدا ، تدور بنا الأيام إن كان فى مراحل دراسية مختلفة ثم عمل ننجزه ، تتخللها أوقات عصيبة أو أوقات منفرجة و تصدم بمذاهب مختلفة وأفكار متضاربة و تصاحبها شخصيات سوية إن كانت أو العكس … كذلك مصادر المعرفة ووسائل الإعلام والتواصل الإجتماعى ليست دائما على المستوى المطلوب للارتقاء بالأفكار والاتجاه نحو السمو الأخلاقى الذى بالضرورة يؤثر على التكوين النفسى وعلى المستوى الإجتماعى. ومما لا شك فيه أن التطور التكنولوجى قد غزى جميع المجالات ، ولكن من المؤكد أيضا إنه يستخدم لتحقيق الأهداف والوصول إلى تحقيق الغايات… ولكن أية أهداف وأية غايات ؟ وهل كلها تتجه نحو مستقبل اكثر اشراقا ؟ وهل هى فعلا تستغل لصالح الإنسان ولنمو المهارات العقلية و المهنية التى يكون منبعها الذكاء البشرى وليس العقول الإلكترونية ؟! فهذه الأخيرة إنما صنعت لأجل التحكم فى الإنسان وليس لمد يد المساعدة إذ أن فى معظم الأحيان يميل الرأى إلى دعم النتائج المحسوبة الكترونيا .. وفى الوقت الذى يعجز فيه الباحثون عن إيجاد علاج للأمراض المختلفة التى تهاجم الجنس البشري – رغم التقدم العلمى والتكنولوجى – ولكن هناك أسلحة تهاجم عبر القارات للتدمير والإبادة وتحقق الأهداف بدقة متناهية ؛ ومن ثم نري القاتل يتباهى و يهتف فرحا ويعلن فخرا نتائج الخراب الذى حل فى النصف الأخر من عالم يعيش فيه وكان يتوجب عليه العمل للحفاظ عليه وليس للتخلص منه وتشويه جماله .
وإن كان هذا الهجوم دفاعا عن النفس والوطن والأرض والشرف لكان لهم حجة ومنطق ؛ ولكن الهجوم للسرقة ولإعاقة التقدم والخوف من تفوق الأخر بغية أن يظل الأول دائما فى الصدارة يجذب الأنظار ويقدم له الكل الولاء والطاعة خوفا من طغيانه ولتفادى التهديدات والعقوبات الاقتصادية وفرض الحصار وتهديد الأمن والتعرض لما هو أسوا وأشر وهى الحرب البيولوجية والنواوية واللجوء إلى استخدام القنابل الذرية التى تدمر الأمم إلى أجيال متتالية ..وكل هذا يكون تحت مسميات خادعة تخفى وراءها بشاعة الفكر والعجز عن إيجاد حلول سلمية.. فالفكر السليم والعمل الداؤوب والتوجه لدعم البشرية والأتجاه بها نحو مكانة أعلى ، هذه المجهودات فقط هى التى يتقبلها المنطق وترفع من شأن الإنسانية وتعزز القيم وتدعم الأسس السامية وتنمى الإبداع والتميز..
و لكن للأسف أصبح الصوت المسموع هو صوت الأسلحة ، والمتحكم ليس الأكثر حكمة ولكن الأكثر دهاءاً ؛ وليس من هو له السلطان العادل ، ولكن من يتسلط بطغيان ويتعسف و يحكم ببد من حديد لفرض السيطرة عن غير حق ، وللقبض على رقاب من يتجاسر ويعارض ، أو تخول له نفسه أن له إرادة أو رأى لا يتفق و النظرية التى يجب أن تطبق على العالم بأسره “ولابد أن يكون هناك ضحايا يدفعون الثمن “ عبارة يفصحون بها وهم يهزون أكتافهم ويلوحون بأيديهم وكأنها لا شئ على الإطلاق ، غير مبالين بالأسر التى تتشتت ومشاهد الرعب التى لن تمحى من ذاكرة الفتيان والقلوب الدامية التى و إن لم تتعرض لقذف مباشر ولكنها تعيش أيام مريرة إلى أن تلفظ النفس الأخير.. ومن المثير للسخرية أن هؤلاء المعتدين بأنفسهم هم من يتغنون بحقوق الإنسان ويسنون القوانين والتشريعات ، ولكنهم يهمون لتطبيقها فقط عندما تخدم أطماعهم ، و أما لغير ذلك فهى محفوظة فى بئر مظلم عميق يصعب الوصول إليه .
ثم يطرح علينا المفكرون أحجية مشهورة : هل الإنسان مخير أم مسير ؟ وإن كان الخالق قد سمح لنا بالاختيار بين أمور متباينة وبين الخير والشر ، والجمال والقبح ، بين الحق والباطل ، بين المثل والإنحطاط ، بين الحب والبغض إلى آخره ..لكن الرؤساء فلا يتركون لنا خيار أو بعبارة أوضح يتركون لنا مساحة نتحرك فيها فى الحدود المسموح به ، وفى إطار مرسوم مسبقا ، ومن يحاول أن يخطو ولو خطوة غير مدروسة حسب القوانين المنصوص عليها ، فهو الجانى على نفسه إذ لم يأخذ حذره ، وسيتعرض للمسائلة حسب تلك القوانين عينها والتى يمكن أن تعزز ببنود إضافية بين ليلة وضحاها، حتى تخدم المستجدات و تصب فوائدها فى النهاية لدعم المصالح العامة من وجهة نظر البعض ، أو لدفع عجلة التنمية من وجهة نظر البعض الأخر ؛ وفى النهاية هناك أيضا ‘من يدفع الثمن’ ويقع عليه فعل الفاعل ولا يستطيع للأسف أن يدفع الضرر عن نفسه وقد يعانى من الآثار السلبية سنين هذا عددها. فهل من فاهم يطلب الصلاح ويبتغيه ويجد فى إثره ؟! فهل هناك رؤساء حكماء يتمتعون بقلوب محبة وعقول مستنيرة ، يعدلون فى حكمهم ، لديهم من الحكمة ما يجعلهم يحملون ميزان العدل والمساوة ، بحيث لا يتطلب تحقيق أهدافهم تحطيم أهداف الآخرين ودمار أوطانهم ، هل يمكن أن تهب لنا الأيام مانتمناه حتى ننعم بالحياة ؟.