بقلم: ﭽاكلين جرجس
أرمينيا بلد الورد و التاريخ و الصمود ،ذات المساحات الشاسعة قُسِّمت على شكل مستطيلات غاية فى الجمال و الروعة ، يغلب عليها اللون الأخضر لزراعة أشجار العنب، أما الألوان الأخرى فتتنوع ما بين الأبيض والأحمر لولعهم بزراعة الورد.. ذلك المشهد ستراه من الطائرة قبل هبوطك إلى مطار يريفان عاصمتها ، البلد الذي احتفل هذه الأيام بعيد استقلاله الثالث و الثل==اثين عن الاتحاد السوفيتي في 21 سبتمبر عام 1991،و الذى قال عنه د . أرمن مظلوميان رئيس الهيئة الوطنية الأرمينية في مصر، أن يريفان منذ ذلك الوقت و قد اختارت طريق الحرية وتقرير المصير حين أعلنت استقلالها والتزامها بالقيم الديمقراطية، وتعزيز حقوق الإنسان، وسيادة القانون، وتنمية الاقتصاد، وتحقيق العدالة لجميع الأرمن.
ومن خلال التسلسل الزمنى للأحداث فى ارمينيا نستطيع التعرف على أهم ملامح فترة النضال وصولًا إلى الاستقلال ففى الفترة من 1915 – 1917 تم قتل و تسفير بين 600,000 و1,5 مليون أرميني في الأناضول إبان الحكم العثماني إلى سوريا و مصر و غيرها من الدول الأخرى .
و تلك الأحداث تصفها ارمينيا بالإبادة الجماعية وهي تهمة ترفضها تركيا ، أما بداية من عام 1918 تم انبثاق أرمينيا كدولة مستقلة من ركام الدولة العثمانية التي اندحرت في الحرب العالمية الأولى و فى 1922 ضُمت أرمينيا إلى الاتحاد السوفيتي ، و منذ 1989 حدث اندلاع الصراع حول ناغورنو كاراباغ؛ وفي عام 1994 تم وقف لإطلاق النار توسطت في التوصل إليه روسيا و كان وقتها فى حيز التنفيذ، ولكن لم يتسنى التوصل إلى اتفاق سلام وما زالت الاشتباكات تجري بين الفينة والأخرى بين أرمينيا وأذربيجان ؛ و فى عام 1991 تم انفصال ارمينيا عن الاتحاد السوفيتي و هو التاريخ الذى تعتبره ارمينيا عيدًا قوميًا لها حيث اعلنت استقلالها و سيادتها على اراضيها والمضي قدمًا في طريق الاستقلال .
و يذكر التاريخ أنه في بداية التسعينات بدأ التوتر يتصاعد بين الحكومة السوفيتية المركزية في موسكو والحكومة المحلية في يريفان،ففي 1990 تم إنشاء الجيش الأرمني الجديد، وهو قوة دفاع كان مخطط لها بأن تكون مؤسسة منفصلة عن جيش الاتحاد السوفيتي، وخطط الأرمن للاحتفال بذكرى الجمهورية الأرمنية الأولى و فى ليلة الاحتفال بعيد الجمهورية الأرمنية الأولى اندلعت أعمال قتال بين وحدات من الجيش الأرمني الوليد ووحدات سوفيتية متمركزة في يريفان مما أسفر عن استشهاد 5 أرمن في محطة السكك الحديدية. ادعى الشهود بأن الوحدات السوفيتية كانت المبادرة بالاعتداء واستخدمت كمية مفرطة من القوة ، حصلت معارك إضافية بين مقاتلين أرمن ووحدات سوفيتية بالقرب من منطقة نوباراشين أدت إلى وقوع 27 ضحية بين الطرفين ونجح بذلك السوفييت بإفشال احتفال الأرمن بيوم الجمهورية الأولى .
دفعت تلك الأحداث أرمينيا إلى إعلان سيادتها على القوانين السوفيتية في 1990، فتم تغيير اسم “جمهورية أرمينيا السوفيتية الإشتراكية” لتصبح “جمهورية أرمينيا”. تبع ذلك إعلان عضو المجلس الأعلى آرام مانوكيان انفصال أرمينيا عن الاتحاد السوفيتي وأعلنها كدولة مستقلة. وقع على الإعلان أول رئيس لأرمينيا، ليفون دير- بيدروسيان، وسكرتير المجلس الأعلى آرام ساهاكيان ، كما تضمن بيان الاستقلال اعتماد العلم والشعار والنشيد الوطني لأرمينياو تم الإعلان عن استقلال الجيش والنظام المصرفي والعملة وكذلك ضمان حرية التعبير والصحافة والفصل بين السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية. ودعى إلى ديمقراطية متعددة الأحزاب. وتم إتخاذ اللغة الأرمنية كلغة رسمية للبلاد .
و اخيرًا انتهى الوجود الفعلي للاتحاد السوفيتي واصبحت أرمينيا جمهورية مستقلة ذات سيادة في المسرح الدولى ، لم يكن الاستقلال مجرد قرار لكنه حُلم ظل يرواد كل أرمنى أصيل إلى أن تحقق فقد شكل الاستقلال نقطة تحول في تاريخ هذا البلد العظيم .
و لما كانت مصر من أول الدول التى اعترفت بسيادة و استقلال دولة ارمينيا نجد أن العلاقة بين الدولتين متأصلة و راسخة، حيث تم التوقيع على اتفاقية إقامة العلاقات الدبلوماسية في 1992، وافتتحت السفارة المصرية في يريفان في مايو 1993، و تم افتتاح السفارة الأرمينية في القاهرة في مارس عام 1992 ؛ كذلك نجد أن تاريخ الطائفة الأرمينية في مصر ضارب بجذوره في أعماق التاريخ، حيث إن مصر من دول الشرق القديم، التي أقامت علاقات نشطة مع سكان أرمينيا القدماء، في عهد الدولة الفرعونية ؛ وبالرغم من التحديات التى تواجه ارمينيا بين الحين و الآخر إلا أن شعبها القوى يواصل مسيرته بثقة نحو مستقبل أكثر نجاحا و ريادة و إشراقًا، متطلعًا إلى الحفاظ على استقلاله وتحقيق مزيد من الازدهار فى مختلف الأصعدة .