بقلم: كلودين كرمة
إن من يرغب فى إجراء عمليات تجميل لتحسين مظهره بما يرضيه ، فهو يبحث ويدقق ويسأل ويستشير وربما يسافر بعيدا ويتحمل تكاليف باهظة حتى يحصل فى النهاية على رسم جديد لملامحه يرضاه و كثيرا ما تخيله ذهنه فأحببه وابتغاه ، حتى يعبر عن شخصيته وما يشعر به أو ما يتطلبه مجال عمله ويكون أداة لتحقيق نجاحه وإثبات ذاته. وهذا يثبت أن ما يريده الإنسان بشدة – و مدام لديه الإمكانيات – فلا شئ يقف فى طريقه ولكن بشرط أن لا يسلب أحدا ولا يضر ذويه ..
ومن هذا المثال البسيط يجب أن نعى أن للإنسان إرادة حرة ولكن لا يحل له استخدمها إلا لتحسين الأوضاع ولإظهار المحاسن وفى الوقت المناسب .. لأنه ينبغى أن تتوافق المشاعر مع التفكير السليم وأن تخضع الإرادة “الحرة” للمنطق وأن تتجلى الرغبة فى ارقى صورها حتى تصبغ صاحبها بأجمل الصفات ، فيتصدر قومه بحكمته ورزانته ، ويتحكم فى الأمور بصبره ويدير الأزمات بخبرته ويطوع الظروف للصالح العام وبأقل الخسائر. فالإنسان ذو الأصل الطيب والأخلاق الكريمة يكون له إطار محدد لايتجاوزه وبرغم ذلك لا يشعر أنه مكبل او أنه مستعبد لأن شخصيته تعتاد الفضيلة ، وعقله يحسن إدراكها ، ومشاعره تستسيغها .. فيتحد بها ولا يساوره ولو للحظة فكر غريب يشككه فى سلوكه مهما اختلفت طبائع الناس ولا يقصيه عن فعل الخير كثرة الشرور ، ولا يتراجع عن مساندة الضعفاء ودعم صغار النفوس مهما تعرض للنقد ولا يتراجع عن موقفه وإن واجهه الكثير من التحديات ولا يعوقه عائق عن إكمال مسيرته نحو الكمال لعله يدركه. وهذا كله فى الإمكان إن ساد العدل والتوافق الاجتماعي والمساواة فى الحقوق والصدق والأمانة والمودة وأن يتلاشى الظلم والتحيز و الحقد و تدبير المؤامرات .. فالصفات الحميدة تدعو للحياة الكريمة وتعمل على دفع الشر واستنكار القسوة واستغلال السلطة و يكون شغلها الشاغل هو الانتباه والسهر الدائم حتى لا يغفل يوما عن تحقيق أهدافه السامية ..
أما عكس هذه الصفات تقودنا الى الهلاك لأنها تحوى فى طياتها الظلام والموت المحتم. وإن إدعى الكائن أنه ينتمى لفصيلة البشر ويتمتع بالصفات الإنسانية فيجب عليه ان يرفض قانون الغاب وهى حالة من الفوضى والبقاء فيها للأقوى وليس للأصلح وينبغى أن يشجب العدوان ويستنكر الرزيلة وان يحكم بيد من حديد إنفعالته الخاطئة وميوله الشريرة ؛ وإلا كيف يمكنه أن يحكم فى الأمر وان يشرع قوانين ويفصل بين الحق والباطل و هو لا يستطيع أن يحكم نفسه أولا؟! ومن ملامح رقى الإنسان أن يستفيد من خبراته ويزداد خبرة وذكاء ، كما تقوى عزيمته ويتبع طرق قويمة واثق الخطوة ، عيناه كالصقر مرتقبا للأحداث و محددا للأهداف فلا يخطئ ولا يتعثر . أما من يدعى العلم فقراراته هوجاء وأفكاره مشوشة وأفعاله تثير السخرية ولا منفعة منه وإن وافقته مجموعة من المنتفعين.. فليبصر الإنسان ويفحص أموره وليتحرز لنفسه ويدقق فى اختيار خليله ويفحص طرقه ويتفهم أموره و يستشير ذوى العلم ويسترشد بأصحاب المبادئ فيقى نفسه ويتحفظ لسبيله لئلا تزل قدماه فيكون سقوطه عظيما .. فمن يبغى الفضائل يسعى فى إثرها ومن يشتهيها فلا يتحول عنها مهما كانت هناك من مغريات ؛ أما الضعيف فيخور تحت الضغوط وتنهار قوته ويتناسى الفضليه ويجد حلولا كثيرة بطرق ملتوية لأتفه المشاكل ،لا يجهد نفسه فى التفكير ولا يجاهد فى سبيل الحق إنه اختار الطريق السهل وتلحف بالرياء ، واستعان بحكمة العالم الشريرة ، ونصر الباطل وزهق الحق ، مرائيا متخليا عن إنسانيته ليس له موقف ثابت ولا تنطق شفتيه إلا بالكذب فهو يحتمى خلف الصفات الوخيمة حتى يظهر شرهه ويثير الرعب ويكشر عن أنيابه حتى يغتال فى الدجى أنقياء القلوب. فيا أيها الرؤساء وكل من هم فى منصب ضعوا الأمور فى نصابها الصحيح حتى تستقيم وحتى يعلم الأشرار أنه لا رجاء لهم ولا يوجد هناك من ينصفهم فيرجعون عن طرقهم الرديئة ..
ثبتوا دعائم العدل حاموا عن اليتيم وأنصفوا المسكين راعوا الأرمل وداوا المرضى .. كونوا نبراسا ومنارة فى ظلمة هذا الكون .. فإن شعاع واحد كفيل أن يمحى الظلام ، فما بالكم إن أصبحتم شمس العدل ونور العالم وملح الأرض.