بقلم: عادل عطية
هو جارنا الأول، رغم المسافة الهائلة التي بيننا وبينه!
نصعد إليه بعيوننا ـ وكأنه النور الوحيد في ليالينا ـ، وينزل إلى نفوسنا المُغرمة به، وكأنه النور الحارس، الذي يهتم بدروبنا!
للقمر تأثير نبيل وعميق في شعورنا، وسلوكنا..
لأننا برفقته ـ في رحلة الليل، والسهر، والسمرـ، نتقابل مع ذكريات أجدادنا، الذين طبعوا على وجهه أحلامهم وأمانيهم، وانتظاراتهم المتشوقة، وآهاتهم المملة، والتي تلتقي وتتزاحم معاً، منذ كنا على وجه الأرض، وما تزال!
ولأنه، عندما يغيب، ينتشر الظلام عميقاً ثقيلاً. وعندما يرحل يترك الشوق الغامر الذي لا يسافر!
ولأنه، رغم جمال النجوم الخافقة، إلا أنه يبدو هو الأجمل؛ فبضوئه الساحر، يُظهر عبقرية تقاطيع الكون، وملامحه الخلاّبة!
وعندما نرى هذه الاعجوبة الليلية، التي تثير فينا مشاعر الدهشة، والافتتان الصادح بالبهجة؛ نمجد الله!
وعندما نعرف انه بالرغم من كونه معتماً في ذاته، لكنه يسعى جاهداً إلى توصيل رسالة النور لأماكن كثيرة ما تزال مظلمة على الأرض، نُقدره، ونتعلم منه، ونقتفي به!
وعندما نراه وحيداً ـ رغم النجوم التي لا تحصى حوله، وتحيط به من كل جهة ـ، وعندما تختطفه الغيوم القاتمات، وتخبئه أوراق الشجر، نشعر شعوراً حياً بالمواساة، والتعزية!
ونحن برغم ما اكتشفناه عنه من ظلام ـ يوم وطئنا بأقدامنا على ترابه ـ، ما زلنا نحبه حباً عاطفياً جداً، ودافقاً، ومتألقاً، وما زلنا نناجيه ونستبشر به مع كل طلعة منه تُجرّد السماء من عتمتها، ونتعاطف معه مع كل غيمة يخفت بها، أو ينطفيء، وما زلنا نخرج من بيوتنا كل يوم؛ لنشاهد حضوره الرائع الجليل، ونلقي تحية المرح والفرح، على ذلك الموجود في الأعالي ـ كما كان دائماً للغير ـ، يصب من أبدية السماء: نوراً براقاً من الأمل في الليل!
وربما نغمض عيوننا؛ ليندفع في مشاعرنا لحن “ضوء القمر”، لبيتهوفن، والذي أهداه لفتاة حُرمت من نعمة البصر، وقال عنها: “بما انها لا تستطيع أن ترى ضوء القمر؛ فسأحاول أن أعلنه لها بالعزف”! وقد كان عزفاً جميلاً!…