بقلم: ابراهيم شير
الماسونية هي ذلك العالم الخفي الذي يسيطر على الأرض ومقدّراتها، ويتحكم بمصير السكان وخصوصاً المسلمين من جاكرتا إلى طنجة. وتقوم الماسونية بتنفيذ الخطط وصرف المليارات لتدمير الدول العربية فقط وتفتيتها ودبّ الفرقة بينها والسيطرة على مقدراتها ومنعها من النهوض والتفوق العلمي والمعرفي وسيادة المجتمعات. أليس هذا ما هو مزروعٌ في عقولنا؟ إذا رسب طلاب الثانوية أو الجامعة يقولون مؤامرة ماسونية، إذا فشلت ثورة عربية يقولون مؤامرة ماسونية، وإذا نجحت ايضاً مؤامرة ماسونية. أصبحت الحروف السبعة لهذه الكلمة أشبه بلعنة الفراعنة على أمتنا، ولكن السؤال: لماذا المؤامرات الماسونية جميعها علينا ولتدميرنا نحن فقط، وليست على الغرب مثلا؟ كما تقولون أن الماسونية لادينية وهي ضد الأديان السماوية، إذاً لماذا لا تدمر الغرب أيضاً، لماذا العرب فقط؟
أولاً لنكن على علم بأن أي شخص لديه لحية وكتاب فتاوى وأحاديث نبوية حتى لو كانت ضعيفة وغير صحيحة، يمكنه أن يدمر أمة بأكملها، وما جرى في سوريا والعراق وليبيا خير مثال على ذلك، أليست رؤية الملائكة تقاتل إلى جانب “ثوار سوريا” هي من الفتاوى التي دفعت مئات الآلاف من الشباب العربي والإسلامي ليأتي إلى سوريا لقتل شعبها وتدميرها؟ فهل تستطيعون أن تقولوا أنّ هذا الشيخ الذي قال هذه الفتوى ماسونيٌ مثلاً؟ أو من دفعه لقولها هي الماسونية؟ الفتوى الشهيرة “ومالو” أليست أيضاً من الفتاوى التي سهلت القتل في سوريا؟ أليست فتاوى الصلاة والصوم وتكفير من لا يصلي هي التي دفعت أبناء الشعب العربي لقتل بعضهم البعض؟ إذاً الماسونية ليست بحاجة لصرف المليارات لتدمير شعوب مستعدة لتدمير نفسها ذاتياً مثل الاشتعال الذاتي بدون أي تعبٍ وجهد.
ثانياً، لماذا الماسونية ستقوم بصرف المليارات ووضع الخطط لتدميركم، حتى لا تقودوا العالم مثلاً؟ وهل أنتم أهلٌ لقيادة العالم أصلاً؟ بعد انهيار الدولة العثمانية وتحرر الشعوب العربية من الاحتلال الفرنسيّ والبريطاني والايطالي، هل استطاعت الدول العربية قيادة العالم؟ وبعد أحداث “الربيع العربي” هل استطاعت دولة واحدة قيادة العالم؟ لقد شاهدنا ما خلفه الربيع مثل “داعش” التي عندما أتت إلى المنطقة واحتلت بعض المدن، كيف كان الارهاب الفكري والديني والأخلاقيّ، وشاهدنا عودة البشرية أكثر من 1500 سنة إلى الوراء، إلى عصر ما قبل الجاهلية حتى. الإسلام يمتلك آلاف المبدعين والفلاسفة أمثال إخوان الصفاء، وابن رشد، والفارابي، وابن سينا، وابن حزم الأندلسي، وابن الهيثم، وصدر الدين الشيرازي، والأصمعي، وجلال الدين الرومي، وابن خلدون، لكننا الآن كفرنا بكل هؤلاء وبدأنا بتطبيق قاعدة بأي قدم يدخل المرء إلى الحمام وبعدها ننتظر الماسونية لتدمرنا مثلاً؟
ثالثا، من يشنّ الحرب علينا وعلى أمتنا هي المؤسسات المالية الأميركية التي لديها ثلاثة قواعد تتبعها للاستفادة من الحروب، الأولى هي استدانة الدول لتمويل حروبها وجلب الحلفاء أو إسكات المنظمات الدولية. والثانية شراء الاسلحة أثناء الحرب. أما الثالثة فهي إعادة الإعمار، وبذلك تكون هذه المؤسسات قد وضعت يدها على الدول وما حولها، ومنذ بداية الربيع العربي وحتى الآن، لم يبقَ معمل أسلحة في العالم لم يعمل ويبع ويورد السلاح لمنطقتنا من جميع دول العالم سواء الحليف أو العدوّ. وهذا الأمر لم يكلف الغرب مليارات الدولارات لإشعال الحروب في منطقتنا، ولكن كلفهم شيخاً يحمل كتاب فتاوى وشباباً جهلاءَ لا يعصون شيخهم ما أمرهم.
رابعا، ليست منطقتنا فقط المستهدفة بل حتى أوروبا، ولكن الفرق بيننا وبين الأوروبيين أنهم يفكرون، وأجبروا واشنطن على دعمهم للنهوض أما نحن فقد واصلنا الغباء. بعد الحرب العالمية الثانية، أرادت الولايات المتحدة إبقاء القارة الأوروبية بدمارها وإنهاكَها أكثر فأكثر، ولكن الثعلب الإنكليزي رئيسَ وزراء المملكة المتحدة ونستون تشرشل، خدع الرئيس الأميركي هاري ترومان، بفكرة الستار الحديد الذي يريد زعيم الاتحاد السوفيتي جوزيف استالين إنشائه وضم أوروبا الشرقية له فما كان من واشنطن غير أنها أُجبرت على دعم إعادة إعمار القارة الأوروبية لجذب الدول التي يسيطر عليها الشيوعيون لتنضم لتحالف واشنطن و سمّي هذا المشروع بـ“مشروع مارشال”، ونفس الأمر فعلته اليابان مع الولايات المتحدة بعد استسلامها في نهاية الحرب، وهو ما قامت به كوريا الجنوبية حيث أن جميع الدول أرعبوا واشنطن بالسوفييت والمد الشيوعي وأجبروها على إعادة إعمار دولهم. أما نحن فلا تزال واشنطن ترعبنا كل مرة بشخص وفي النهاية يأتي العم سام ليأخذ أموالنا ويترك الفتات لشعوبنا المتعبة والممزقة.
الولايات المتحدة لا تريد دولاً ذات قرار سياديّ وبدون ديون خارجية وتعتمد على نفسها في كل شيء وتقول لا لواشنطن وتقف ضد مشاريعها في المنطقة، كما كانت سوريا قبل الحرب عليها، ولذلك سخرت كل شيء لخدمة مشروع تدميرها وتقزيم دورها وإدخالها في دوامة إعادة الإعمار والديون الدولية، ولم تكن هذه الحرب بمخطط ماسوني بل بمخطط اقتصادي سياسي ليس أكثر، وليس بأدوات ماسونية بل أدوات دينية طائفية من منطقتنا ولأننا شعوبٌ جاهزة للاقتتال في أية لحظة، وهذه الفتاوى الدينية موجودة منذ مئات السنين قبل الماسونية وقبل أول محفل لها سواء في فرنسا أو بريطانيا، أما تاريخنا الدموي فهو قبل الإسلام نفسه وللأسف إلى الآن نتغنى بغبي قتل أبناء عمه “الزير سالم” وآخر قتل من يستضيفه في منزله “عمرو بن كلثوم” ونعود لنقول أن الماسونية تدمرنا!.
الرئيس الأميركي جون كنيدي، اغتيل بعد خمسة أشهر من توقعيه قراره الشهير رقم ١١١١٠ ضد البنك الفيدرالي الأميركي أكبر مؤسسة احتيال مالي في العالم وأول قرار اتخذه خلفه ليندون جونسون، هو إلغاء القرار إذاً الأمر ليس ماسوني بل الأمر اقتصادي.
نحن الآن بحاجة لبناء مراكزَ فكريةٍ جديدة بعيدة كل البعد عن نظرية المؤامرة والماسونية ونعود لندرس التراث ونأخذ منه الجيد وما ينفعنا ونترك ما يشرذمنا ويدمر مستقبلنا، إن أردنا أن يكون لنا مستقبل والابتعاد عن الطائفية والنزعة القبلية في تعاملاتنا الحياتية.
طبعا أنا لا أبرء الماسونية أو الغرب ولكن عندما لا تحمي زوجتك بما يكفي ولا تؤمن منزلك فلا تلم أحداً إذا اغتصبها، كان للدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله محاضرات مهمة عن الماسونية والصهيونية وإسرائيل، وأكد في جميعها أن هذه المنظمات ليست قوية أو ذكية أو تحكم العالم أو لا تخطئ أو لا تُخترق لكننا نحن الجهلة الذين نحمّل الآخر ضعفنا وهزيمتنا.