بقلم: تيماء الجيوش
في العام ٢٠٠٨ أطلق الأمين العام السابق للأمم المتحدة BAN KI-MOON حملة بعنوان نتحد معاً لإنهاء العنف ضد المرأة. United to end violence against women.
كان هدف الحملة الرئيسي هو منع و إنهاء العنف ضد المرأة ( عنف جسدي، نفسي، عاطفي، مالي او اقتصادي) داعياً فيها الحكومات ، القطاع الخاص، المؤسسات، منظمات المجتمع المدني، النسويات، الشباب ، الإعلام و كل هيئات الأمم المتحدة الى وقف وباء العنف ضد المرأة و الذي عدّه العديد من الشراح، الباحثين و صانعي القانون جريمة تضاهي جريمة الكراهية. كان من أهم أهداف الحملة الرئيسة أن تسّن الدول قاطبة أو تنفذ قوانيناً وطنية بما يتفق مع معايير حقوق الإنسان تمنع وتعاقب بموجبها العنف بكافة أشكاله وذلك بحلول العام٢٠١٥.
طبعاً الى جانب هذا كان هناك أهدافاً لا تقلُّ أهمية كأن تُعتمد خطط عمل و جمع المعلومات والقيام بالتحليل و البدء بحملاتٍ محلية في كل بلد في هذا الصدد. لم يكن أمر هذه الحملة من قبل الأمم المتحدة مرتجلاً أو أمراً عفوياً جاء وليد اللحظة ، بل جاء من خلال مراقبة و بحثٍ أكيد في معظم دول العالم ولعدة عقود حيث خرج بنتيجة مفادها أن العنف ضد المرأة هو انتهاك لحقوق الإنسان بل وعقبة للتنمية المستدامة ويترتب عليه أعباءً لا تُضاهى وأثماناً باهظة تقعُ وبشكلٍ مباشر على عاتق المجتمع و الاقتصاد لن يكون بالوسع تفاديها. أبرز التحليل لدى معظم الآراء واقعاً مفاده أن العنف ضد المرأة ينتج من استمرار اللامساواة بين الجنسين و ينعكس هذا المنحى بشكلٍ جلي في القوانين و تطبيقاتها العملية.
من الناحية التشريعية و سنَّ القوانين و بطبيعة الحال وفي المجتمعات الديمقراطية لا مشكلة هناك ، فقوانينها تتفق ومعايير حقوق الإنسان ، من حيث مركزية المعاهدات الدولية، القانون الدولي لحقوق الإنسان وكونهم المحور الذي تشتق منه قوانينها المحلية أحكامها. و هي تعود في حقيقة الأمر للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي ومنذ صدوره في العام ١٩٤٨ يؤكد أن الحقوق والحريات الأساسية هي حقوق جذرية أصيلة و تُطبق على الجميع دون تمييز كما أنها ليست خاضعة لتقسيم أو إلغاء أو انتقاص . كل فرد ، كلٌ متساوٍ في الكرامة على اختلاف اللون ، العرق، الجنس، الدين، اللغة … الخ. في مساحات المجتمع الدولي بات الإعلان و القانون الدولي لحقوق الإنسان هو القانون الذي أفضى الى أن يكون مهداً لما يزيد عن ثمانين معاهدة دولية .
يأتي في مقدمتها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية وًالسياسية ICCPRوالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية والثقافية،ESCR. ، اللتان بُدِأ لتنفيذ بهما في العام ١٩٧٦وهما من تناولتا غالبية الحقوق و قامتا بجعلها إلزامية في الدول التي صادقت ووقعت عليها.
بالعودة الى حملة لنتحد معاً لإنهاء العنف ضد المرأة و كما ذُكِرَ في البدء كان لا بُدّ من سنّ قوانين محلية كي تُحقق الأهداف المحددة له. وعلى اختلاف تعريفات القانون لكنه في جوهره هو عقد اجتماعي ، مجموعة من القواعد التي تضعها الحكومات و الأفراد كي تكون ناظمة للسلوك في المجتمع و يأتي في مقدمتها الدستور . من يقرأ التاريخ التشريعي العربي سيجد أن القوننة بدأت منذ ما يقارب القرن. و الأقطار العربية هي جزء من المجتمع الدولي و ليست مستثناة بإلا من هذه الحملة ، فكان ولازال من البديهي أن تقوم بالتغييرات القانونية اللازمة للحدّ من العنف هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار أنه بات ضرورة مع تفشي ظاهرة العنف ضد المرأة في المجتمعات العربية ( لا توجد احياناً ارقاماً إحصائية دقيقة نظراً لعوامل متعددة منها سياسي، تشريعي، امني ، اجتماعي، ثقافي و منها صمت المرأة عن العنف الموّجه ضدها) من الطبيعي والحال هذه أن يُسأل إن كان قد صدرت قوانين عربية خاصة تناهض العنف الأسري بما يتسق مع أهداف حملة الأمم المتحدة و قواعد العدالة الاجتماعية و احترام حقوق الإنسان ؟ قانون خاص بالعنف الأسري بمعنى ألا يُعالج العنف ضمن القواعد القانونية في قانون العقوبات او القوانين الجزائية الاخرى؟ وإنما في قانون خاص به؟
من الناحية التشريعية في معظم الأقطار العربية و بشكلٍ عام يُعتمدُ قانون العقوبات عندما تثور احدى قضايا العنف الأسري نظراً لغياب قانون خاص به و مثاله الإيذاء ، الاغتصاب، الضرب المفضي الى الموت، جرائم الشرف ..الخ.
و منذ العام ٢٠٠٨ تراوح الأمر التشريعي في البلدان العربية ما بين صدور قوانين خاصة لحماية المرأة من العنف الأسري و مثالها الجزائر، البحرين ، السعودية و ما بين اعتبار العنف ضد المرأة جريمة يعاقب عليها القانون وفقاً لقوانين مكافحة العنف الأسري و هذا ما قام به المشرعين في دولتي المغرب والأردن . علماً انه غاب في مواضع عدة عن المشرع تعريف محدد وواضح للعنف الأسري و العقوبات الرادعة في حال حدوثه.
والفارق هنا أن تدابير الحماية تعني أن تقي الحكومة ومؤسساتها الأفراد والجماعات من انتهاكات حقوق الإنسان و اتخاذ تدابير و إجراءات ايجابية للتمتع بالحقوق و هي تختلف بذلك عن القانون المحدد والواضح الذي يكفل الحقوق في إطار التشريع و نظم المحاكم و الإجراءات القضائية و لا يسمح بانتهاكها عبر الآليات و الدعاوى المتاحة لها.
بالرغم من أهمية صدور هكذا قانون ضد و لمكافحة العنف الأسري إلا أن أسباب التبرير تواترت و تراوحت لعدم تبنيه في بقية الأقطار ما بين حروب، صراع، أمنٍ مُختل، ظروف أمنية معقدة، اعتبار العنف مسألة اجتماعية وليست جنائية، فساد القضاء، ناهيك عن الصور النمطية ، عدم وصول المرأة الى المعلومات القانونية، عدم فاعلية الأجهزة التنفيذية، نظم تقليدية ثقافية تحد من تفعيل النصوص القانونية، العوز المادي والاقتصادي لدى نسبة عالية من النساء، فقر قانوني ومؤسساتي يغيب فيه أصحاب الاختصاص على الصعد الصحية والاجتماعية و التنفيذية عند حدوث العنف و محاولة تقديم شكوى بشأنه. المفارقة القانونية الُمرّة التي تحدث مراراً و نشهدها نحن من نعمل في الحقل القانوني أن الضحية غالباً ما تدفع موضوع الشكوى المتعلقة بالعنف ، بالإيذاء الجسدي و النفسي جانباً لعدم توفر الوسائل والتقنيات والمؤسسات الداعمة لها و تتجه لتتبنى و بشكلٍ مباشر تسجيل دعوى طلاق مما يضعف من فرص نجاحها في الحصول على حكم في ظل تعقيدات قانونية يفرضها تفاصيل قانون الأحوال الشخصية وليس قانون خاص بالعنف الأسري. الحديث عن قانون ضد العنف الأسري ليس طلباً آني ، مرحلي، وقتي، او ما تطلبه فئة نخبويا. الآن وكل يوم لا زالت أعداد النساء ممن أصبحن ضحايا للعنف الأسري في ازدياد، في النصف الاول من العام ٢٠٢٢ وقعت ٨٧٢ حالة عنف ضد المرأة في سوريا، مع كل ضحية تزداد سابقة و تمهد الطريق لان يكون العنف ضد النساء أمراً مسموحاً به، أمراً يُغَضّْ الطرف عنه تحت ذرائعية اجتماعية وثقافية تدفع ضريبتها المرأة. ما يزيد عن ٨٩ دولة لم تقبل بهذا و شّرعت قوانين ضد العنف الأسري. أصبحن النساء في ظل القوانين أكثر حماية و قدرة على امتلاك خيارات أوسع وأشمل ولا تحصرهن في إطار علاقات يُعنفن فيها و قد تودي بحياتهن .
في حال تطبيق القانون و تكريس مصداقيته و مصداقية المؤسسات القضائية ستكون النساء في مأمنٍ من القتل و العنف و إيذاء الكرامة ، في مأمنٍ من جرائم الشرف و زواج الصغيرات و استخدامهن سلاحاً في الحروب عبر اغتصابهن و استعبادهن و بيعهن جواري في سوق نخاسة . أملاً في أن تنعم كل النساء بمستقبلٍ مختلف. أملاً أن تنعم المجتمعات العربية بقوانين ضد العنف الأسري ، في انتظار ذلك كله
أسبوع سعيد لكم جميعاً.