بقلم : سناء سراج
هكذا الدنيا يوم لك ويوم عليك، يوم تتوهج وتُسلط عليك الأضواء، ويوم آخر تقف خلف الكاميرا و ينطفئ نورك ، يوم تكون ملء السمع والبصر، ويوم تتوارى عن الأنظار، يوم تُمدح وتنتشر كالنار في الهشيم، ويوم تصبح ذكرى يمرون من حولك دون النظر إليك، يوم يسعى إليك الجميع بكل كلمات المجاملة والنفاق والتودد ، ويوم يتجاهلك أغلبهم يوم يرفعك منصبك وكأنك تلامس السماء وكأنك فوق الجميع، ويوم يَخسف بك من نصبوك ويهرولون سعيا إلى صاحب المنصب الجديد ، وهنا تقف في استغراب واستعجاب كل هؤلاء مزيفون، كل هؤلاء منافقين وصوليين كل هؤلاء أحبوا منصبك وليس شخصك، الشئ الوحيد الذي يخلدك هو نقائك أعمالك وإنجازاتك الحقيقية وليست المعدة للتصوير.
هكذا الدنيا وهكذا طبائع البشر، أو أغلب البشر إلا من رحم ربي .
وقف المسئول الكبير يستعيد الذكريات وقت أن كانت الدنيا بين يديه ، وقف يشعل سيجارته الأجنبية المستوردة وينفخ الدخان في الهواء يزيده تلوث فوق ما تركه من ملوثات المجاملات والوعود الكاذبة والمشاريع الوهمية التي كانت تعد للتصوير فقط وليس للتنفيذ .
عاد بالذاكرة وقت أن كان في عز أوجه شهرته والناس حوله كخلية النحل يأمر وينهي كما يشاء ، تذكر أن كل شئ كان مسخر لخدمته وتلبيه أوامره تذكر كم الزخم والحفلات والجولات وكم الاهداءات، والطاعة العمياء والحياة الثرية التي كان يعيشها ببذخ في كل شئ ، الآن أين هؤلاء أين السلطة أين المركز أين الجاه و العزوة أين الأهل والأصحاب والأحباب، تبخروا مع زوال المنصب .
وقف شاردا يستعيد ذكرياته عندما أراد أن يعقد مؤتمر صحفي ليبرأ ذمته ويبرر ما ألم به من شائعات مغرضة ومفبركة ويقنع الناس والرأي العام بأنه لم يقصد الإهانات التي وجهها للجمهور وان حديثه قد حُرف واُجتز منه وخصومه أرادوا أن ينكلوا به ، نظر حوله لم يجد احد مما دعاهم للمؤتمر من موظفين وإعلاميين وصحفيين، كانوا يتسابقون للحوار معه.
الآن أفرغت يداه وأصبح منزوي وحيدا .
هذه هي الدنيا ياعزيزي فقط من تستطيع عدهم على أصابع يدك من أشخاص أحبوك كإنسان وكمسئول وبقي حبهم وودهم لك كإنسان باق بعد استئصال المنصب ..
نعم استئصال .. لان المنصب كالمرض الخبيث كلما انتشر وتوغل دمر صاحبه وقضي عليه بالضربة المميتة.
اللهم لا تجعلنا مما ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ..