بقلم: د. حسين عبد البصير
مومياء الملكة الجميلة نفرتيتي
تعتبر جميلة الجميلات، الملكة، «نفرتيتي»، أكثر الملكات المصريات شهرة في العالم كله، وهي الزوجة الكبرى للملك أخناتون، وهي سيدة عصر العمارنة بلا منافس، ورحبت نفرتيتي بالدعوة الدينية الجديدة وصارت من أقوى المناصرين للملك أخناتون ودعوته، ولعبت الملكة نفرتيتي دورًا مهمًا في دعم زوجها.
احتلت العائلة الملكية مكانة متميزة في دولة الملك أخناتون ودعوته، وتظهر العائلة الملكية في ذلك العصر في مناظر جديدة لم تعرفها مصر القديمة.وانتقل الملك أخناتون والملكة نفرتيتي إلى مدينة «آخت آتون»، في تل العمارنة في المنيا، التي جاءت منها تسمية العصر بـ «عصر العمارنة». وأنتجت حفائر العمارنة عددًا من الروائع الفنية، لعل من بين أشهرها تمثال الملكة نفرتيتي الأجمل.
في حضرة نفرتيتي
عندما تزور متحف برلين، فأنت في حضرة الملكة نفرتيتي وتمثالها الأشهر، وتم تخصيص قاعة واحدة لعرضه، وهو مصنوع من الحجر الجيري الملون بالحجم الطبيعي. وترتدى الملكة تاجها الأزرق المميز المقطوع من القمة الذي تعلوه حية الكوبرا. ووُجد في أتيليه الفنان تحتمس في تل العمارنة.
اعتقد البعض أن الملكة نفرتيتي قد تكون شاركت الملك أخناتون في الحكم، وأنها اختفت في حوالي العام الثاني من حكمه، غير أن الاكتشافات الحديثة أكدت أنها ذُكرت على بعض آثار زوجها في العام السادس عشر، وأن زوجها حكم منفردًا، وربما حكمت الملكة نفرتيتي، بعد وفاة الملك أخناتون، قبل تولي الملك توت عنخ آمون حكم البلاد. واعتقد بعض العلماء أن الملكة نفرتيتي كانت من أصل أجنبي، ابنة الملك ميتاني، غير أن معظم العلماء يؤكدون أنها مصرية.
قامت نفرتيتي بتغيير اسمها عدة مرات، وكتبت اسمها مثل الملوك داخل خرطوشين موازيين بعضهما البعض. وكانت هناك رسالة بعثتها ملكة مصرية إلى ملك الحيثيين تطلب منه أن يرسل لها أحدًا من أبنائه؛ كي تتزوجه. واعتقد بعض العلماء أن الملكة نفرتيتي قد تكون هي من أرسلت تلك الرسالة. غير أنالحقيقة أن من أرسلت تلك الرسالة كانت ابنتها الملكة عنخ إس إن آمون، أرملة الملك الذهبي توت عنخ آمون.
تم الادعاء مؤخرًا بأن الملكة نفرتيتي دُفنت في مقبرة الملك الذهبي الأشهر، توت عنخ آمون، المقبرة رقم 62 في وادي الملوك في البر الغربي لمدينة الأقصر، غير أن ذلك الادعاء ثبت عدم قبوله علميًا لأسباب عديدة.
واختفت الملكة نفرتيتي من المشهد. وهناك أسئلة كثيرة حولها ما تزال دون إجابة مثل تاريخ وفاتها ومكان موميائها.
مومياء نفرتيتي:نظريتان
ظهرت نظريتان حديثتان بخصوص تحديد مومياء الملكة نفرتيتي. النظرية الأولي هي العثور على مومياء الملكة في المقبرة رقم 63 في وادي الملوك. والثانية هي ما أعلنته الإنجليزية جوان فليتشر من أن الملكة نفرتيتي هي صاحبة مومياء السيدة الشابة في المقبرة رقم 35 في وادي الملوك.
وأعلن عالم الآثار الأمريكي أوتو شادن وفريقه من جامعة ممفيس الأمريكية أنهم اكتشفوا المقبرة رقم 63 في وادي الملوك. وعثروا فيها على سبعة توابيت، منها تابوت لطفل صغير، وآخر لطفل رضيع. واعتقد البعض أن تلك التوابيت لبنات الملكة نفرتيتي والملك أخناتون الست.
أعطى المجلس الأعلى للآثار إذنًا لجامعة يورك للقيام بالأشعة السينية على مومياوات النساء في الغرفة الجانبية بجوار غرفة دفن المومياء في المقبرة رقم 35 في وادي الملوك. وكانت مومياء السيدة الشابة في حالة سيئة. وكانت ذراعها اليمنى ممزقة بالكامل. وتوفيت صاحبة تلك المومياء في عمر ما بين الخامسة والعشرين والخامسة والثلاثين عامًا. وثبت أنه ليس هناك سبب مقنع بأن تكون مومياء السيدة الشابة هي مومياء الملكة نفرتيتي. ثم اتضح بعد ذلك كذب ذلك الادعاء. وتم رفض النظرية الثانية. وهي أن مومياء الشابة للملكة نفرتيتي.
تم تحديد أم المومياء السيدة الشابة. وكانت هي الملكة تي،زوجة الملك أمنحتب الثالث. وفي تلك الحالة، لا يمكن أن تكون تلك المومياء الشابة للملكة نفرتيتي؛ لأن الملكة نفرتيتي لم تكن ابنة الملك أمنحتب الثالث والملكة تي.
وقام الأمريكي دونالد ريان بتحليل المومياوين النسائيتين اللتين كانتا في الغرفة الجانبية. وأثبت العلماء أيضًا أن مومياء الملكة نفرتيتي ليست من بينهما.
قام الفريق المصري لدراسة المومياوات الملكية برئاسة الدكتور زاهي حواس بالبحث عن مومياء الملكة نفرتيتي، ودراسة المومياوين الموجودتين داخل المقبرة رقم 21 بوادي الملوك، وهي المومياوات التي قام بدراستها وترميمها الأمريكي دونالد راين، وهي مومياء بدون رأس وأخرى بالرأس؟ وقام الفريق المصري عن طريق دراسة الحامض النووي بعمل مقارنات مع الأجنة التي عُثر عليها داخل مقبرة الملك توت عنخ آمون. واتضح للفريق المصري وجود صلة بينها مما يشير إلى أن المومياء بدون الرأس تخص الملكة عنخ إس إن آمون، زوجة الملك توت عنخ آمون.
يعتقد الفريق المصري أن المومياء الأخرى قد تخص الملكة نفرتيتي؛ نظرًا لأن الكهنة في عصر الأسرتين الواحدة والعشرين والثانية والعشرين كانوا يضعون المومياوات العائلية بجوار بعضها البعض.
عظام موت نجمت
يبحث المشروع القادم للفريق المصري لدراسة المومياوات الملكية عن عظام الملكة موت نجمت زوجة الملك حور محب؛ كي يعقد مقارنات بينها وبين مومياء المقبرة 21 بوادي الملوك لمعرفة هل هذه المومياء تخص الملكة نفرتيتي أم لا.
قام الفريق المصري أيضًا بعمل دراسات بالأشعة المقطعية والحامض النووي على المومياوات الموجودة داخل المقبرة رقم 35 بوادي الملوك، والتي يوجد بها مومياء لسيدة تعرف باسم السيدة الكبيرة، وأخرى تعرف باسم السيدة الصغيرة.
اتضح للفريق المصري أن مومياء السيدة الصغيرة هي لأم الملك توت عنخ آمون، وأنها كانت ابنة الملك أمنحتب الثالث والملكة تي، دون تحديد اسمها بعد. وكانت للملكة تي وأمنحتب الثالث خمس بنات. وقد تكون أم الملك توت عنخ آمون واحدة منهن. وعليه فإن الملك أخناتون قد تزوج من أخته. وقد يكون ذلك هو السبب في المشاكل الصحية التي عانى منها الملك الصغير.
وإلى الآن لم يتم العثور على مومياء الملكة نفرتيتي. وسوف تظل الملكة نفرتيتي تثير الدهشة والاهتمام والأسئلة والغموض من حولها رغم مرور السنين.
إن الملكة نفرتيتي ملكة خلدتها مصر. وخلدت مصر عبر العصور وعلى وجه الزمن.
اغتيال الملك رمسيس الثالث!
كان الملك رمسيس الثالث، يعيش مع أفراد عائلته والمقربين من حاشيته في القصر الملكي. وحفلت حياة القصر بالعديد من الأحداث بسبب الغيرة والطموحات والمؤامرات، ونتج عنها بصراعات كثيرة. وكان أهمها الصراع على العرش بين الزوجات أمهات أولياء العهود الشرعيين والزوجات الثانويات وأبنائهن الراغبين في الحكم مصر بعد رحيل الأب. ووصل التآمر إلى حياة الملك نفسه.
مؤامرة على حياة الملك
من المعروف أنه كانت للملك رمسيس الثالث زوجة ثانوية باسم «تى». وقامت بمؤامرة ضد حياة الملك. وكانت تلك من المرات القليلة التي تحدثنا النصوص المصرية القديمة عن شيء مثل ذلك.
الملك رمسيس الثالث
نعلم عن المؤامرة من المحاكمات التي تمت للمتهمين من بردية تورين القضائية. وتعرف المؤامرة بـ»مؤامرة الحريم». وشارك في المؤامرة عدد من حريم القصر الملكي وبعض سقاة البلاط وحرسه وخدمه. ولم يعرف هدف هؤلاء المتآمرين. ولعل السبب الأساس للمؤامرة أن تلك الملكة «تى» بالتعاون مع بعض نساء القصر خططت لاغتيال الملك كي تضع ولدها «بنتاورت» على العرش بدلاً من ولى العهد الشرعي، الملك رمسيس الرابع بعد ذلك.
لنا تكملة في العدد القادم