بقلم: د. حسين عبد البصير
هل رمسيس الثاني هو فرعون موسى؟
إننا، كأثريين وعلماء آثار مصرية، لا نعلم على وجه اليقين من هو الفرعون الذي عاش في عهده سيدنا موسى عليه السلام؛ كي نقول إن فرعون موسى هو الملك رمسيس الثاني على وجه التحديد.
من هو الملك رمسيس الثاني؟
الملك رمسيس الثاني هو فرعون المجد والانتصار. الملك رمسيس الثاني هو فرعون الحرب والسلام. الملك رمسيس الثاني هو نجم الأرض وأشهر الملوك المصريين القدماء والذي ملأ الدنيا وشغل الناس جميعًا. اعتلى الملك رمسيس الثاني العظيم عرش مصر وهو شاب صغير، ابن الخامسة والعشرين من عمره المديد؛ كي يسطر أسطرًا من نور ومجد وعزة وفخار في تاريخ مصر القديمة والشرق الأدنى القديم والعالم القديم، وكأن القدر كان على موعد مع مولد وتولي حكم مصر لذلك الملك الأسطوري رمسيس الثاني ملك الملوك وسيد العالم القديم.
صار الملك رمسيس الثاني هو الملك رمسيس العظيم على الرغم من وجود عدد كبير من الملوك المصريين القدماء الذين حملوا اسم رمسيس من قبله، مثل جده الملك رمسيس الأول في أسرته الأسرة التاسعة عشرة، وخلفائه من الملك رمسيس الثالث إلى الملك رمسيس الحادي عشر في الأسرة التالية وأعنى الأسرة العشرين، وصار علمًا واسمًا على عصر كامل، وهو عصر الرعامسة أي ملوك الأسرتين التاسعة عشرة والعشرين، عصر المجد في مصر القديمة. فعندما نقول الملك رمسيس دون تحديد ترتيبه في الأسرتين أو في العصر أو في مصر القديمة عمومًا، فيعلم الجميع في العالم كله، أننا نقصد دون شك نجم الأرض وملك الملوك الملك رمسيس الثاني العظيم الخالد.
هل مات رمسيس غرقًا؟
من الجدير بالذكر أن الله سبحانه وتعالى لم يحدد لنا اسم ذلك الفرعون؛ كي يترك لنا الأمر مفتوحًا من أجل التنفير من كل تجبر وظلم وطغيان في كل زمان ومكان، كما أننا لا نعلم من أولئك الذين قاموا بدراسة مومياء الملك رمسيس الثاني، وأين عثروا على تلك الأعشاب البحرية التي أشار إليها أحد أعضاء هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، وما الدليل عند فضيلته على أن الملك رمسيس الثاني قد مات غرقًا.
قد قال فضيلته في برنامج على قناة مصر الأولى إن فرعون وجنوده بعدما لحقوا ببني إسرائيل، وهم في منتصف البحر انطبق عليهم، فقال فرعون آمنتُ بالذي آمنت به بنو إسرائيل، منوهًا بأن فرعون نجي ببدنه، ورغم غرقه وهلاكه، فإن المياه لفظت جسده إلى الشاطئ، مستدلاً على ذلك بقول الله سبحانه وتعالى في كتابه المقدس القرآن الكريم:»فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً» (سورة يونس: آية 92)، موضحًا أن جسد فرعون تم تحنيطه، منوهًا بأنه عندما تم إجراء اختبارات على جثة الملك رمسيس الثاني وجدوه قد مات بإسفكسيا الخنق الناتج عن الغرق، ووجدوا بعض الأعشاب البحرية بداخله للتأكيد على أن هذا هو فرعون موسى، وأن الله قد أبقى تلك الأعشاب ليقول إن ذلك هو فرعون موسى.
حقيقة فرعون
نؤكد مرارًا وتكرارًا على حقيقة الأمر إنه لدى عدد كبير من المصريين وغيرهم للأسف اعتقاد راسخ بأن «الفرعنة» والتجبر والاستبداد والديكتاتورية والطغيان هي صفات حكام مصر منذ عصر المصريين القدماء، ويطلقون عليهم جميعًا لقب «فرعون» وجمعهم «فراعنة» دون أدنى استثناء. ويطلق المصريون أنفسهم وغيرهم على الشعب المصرى كله لفظ «فراعنة». وجاء هذا الاعتقاد نتيجة لما ورد في الكتاب المقدس (العهد القديم) والقرآن الكريم عن طغيان وتجبر وتكبر وتأله الملك المصري القديم الذي أطلق عليه لقب «فرعون»، دون أن يُسميه، وعاش في عهده نبي الله موسى عليه السلام، كما سلف القول. ومع التسليم بما جاء في الكتب السماوية عن فرعون موسى عليه السلام؛ فإنه لا يجوز اتهام كل حكام مصر القديمة بنفس صفات الطغيان، والتأله والتجبر التي كان يتصف بها ذلك الملك المذكور في تلك الكتب، فكان من بين حكام مصر الصالح والطالح والمؤمن والكافر والقوى والضعيف والعادل والظالم وغيرهم، ولايمكن بأي حال من الأحوال إطلاق لقب «فراعنة» -الذي كان يطلق على الحكام المصريين القدماء فقط- على كل المصريين من أفراد الشعب المصري القديم؛ لأنه من غير المنطقي أن يُطلق لقب «قيصر» -الذي كان يخص الإمبراطور الروماني- على كل أفراد الشعب الروماني أو الروم. إن لقب «فرعون» لم يكن يدل على تجبر كل الحكام المصريين القدماء، ولم يكن يدل على شعب معين أو جنس محدد؛ وإنما هو لقب إدارى بحت يشير إلى حكام مصر القديمة، كما سبق القول.
فرعون موسى غير معروف
إن النصوص المصرية القديمة لم تحدد من هو الملك الذي عاش في عهده سيدنا موسى عليه السلام. وقد أطلقت على الحاكم لفظة ملك «نِسو» ولفظة إله «نِثر». وقد قُدس الملك في العبادة المصرية القديمة في حياته وبعد مماته وفقًا لذلك المفهوم ولتلك النظرة المقدسة للملك المصري القديم. وعلى الرغم من أن دراسة طبيعة ومفهوم الملكية في مصر القديمة توضح أنه إذا كان ملك مصر ينعت عادة بلفظ «إله»، فإنه في نصوص أخرى كان يُعامل على أساس غير إلهي مقدس بالمرة. وفي واقع الأمر، فإن أصل الحقيقة يرجع إلى أن الملك في مصر القديمة كان يحوز ويحافظ على الألوهية المقدسة كنتيجة لعدد من الطقوس الملكية المهمة والتي كان من خلال ممارسته لها تتحقق له ألوهيته الرمزية والفعلية على السواء.
إن طبيعة الملك الحاكم في مصر القديمة كانت تختلف تبعًا لطبيعة العصر الذي عاش فيه الملك خصوصًا في عصور القوة والثراء وامتداد الحكم. وقد أضفت تلك العصور بالضرورة على ملوكها المهابة والقداسة، فمال بعضهم إلى تقديس ذاته في حياته، مثل الملك سنوسرت الثالث والملك رمسيس الثاني. وكانت طبيعة الملك تختلف وفقًا لطبيعة وشخصية الملك نفسه؛ فكان منهم ملوك مؤلهون في حياتهم. وكان هناك آخرون عاديون في حياتهم ومقدسون بعد وفاتهم. غير أنه في الأغلب الأعم كانت القداسة تحيط بأغلب ملوك مصر القديمة؛ لأنهم كانوا أبناء الآلهة على الأرض الذين يحكمون مصر والعالم نيابة عن آبائهم الآلهة المقدسين!
هل أوزيريس هو نبي الله إدريس؟
انتشرت في الآونة الأخيرة ادعاءات تزعم أن النبي إدريس كان هو الإله المصري القديم «أوزير» (أو «وسير» في اللغة المصرية القديمة)، أو»أوزيريس» في النطق اليوناني الشائع. وقد ذُكر من قبل أن نبي الله إدريس في الإسلام هو «أخنوخ» في اليهودية، والذي جاء ذكره في التوراة. فما قصة أخنوخ، والإله أوزيريس، ونبي الله إدريس؟ وهل كانت هناك صلة بينهم؟
وكما ذكرنا، فمن المعروف أن اسم المعبود المصري القديم هو أوزير في اللغة المصرية القديمة. وأوزيريس هو النطق اليوناني لاسمه المصري القديم، والذي وجد صدى عند البعض، وبناءً على السجع و»الريتم» أو الإيقاع اللغوي في نهاية مقطعي الاسمين، قارنوا بين الإله أوزير، أو أوزيريس في النطق اليوناني، وبين نبي الله إدريس عليه السلام، وجعلوا منهما شخصًا واحدًا. وذلك ليس صحيحًا، وفقًا لما سوف نذكره لاحقًا. لكن ما قصة الرب المصري القديم أوزير، سيد الموتى والعالم الآخر في مصر القديمة، وأخنوخ، ونبي الله إدريس؟
رب الموتى
تعتبر قصة أوزير (أو «وسير») و»إيست»، أو «إيزيس»،(في النطق اليوناني المعروف لنا)، من أشهر القصص والأساطير في مصر القديمة والعالم كله. وكان المعبود أوزير سيد الأبدية، ورب الموتى، وحاكم العالم الآخر، ورمز الخير والهناء في مصر القديمة. وتم قتله عن طريق أخيه الشرير ست. وتعددت الآراء حول المكان الذي دُفن فيه المعبود أوزير؛ فهناك من رأى أنه لا يخرج عن كونه هليوبوليس، وآخر رأى أنه أبيدوس، وثالث قال إنه أبو صير. وتجمع أغلب الآراء على اختيار المكانين الأخيرين ليكون أحدهما مقام أوزيريس. وترجع معظم الآراء أبيدوس.
لنا تكملة في العدد القادم