بقلم: تيماء الجيوش
في القانون يأتي تعريف الإبادة الجماعية على أنها القيام بارتكاب جريمة قتل ضد أفراد ينتمون إلى مجموعة قومية أو عرقية أو دينية، كليًا أو جزئيًا، بهدف و مع توفر النية الجرمية بتدمير هذه المجموعة. كما يمكن أن تضم الإبادة الجماعية أفعالاً جرمية أخرى منها التعذيب والاغتصاب. أما الجرائم ضد الإنسانية تختلف بأنها تشمل جرائم القتل والاغتصاب والتعذيب والعمل القسري في حال ارتكابها بطريقة منهجية ضد المدنيين سواء شّكلت أو تُشّكل جزءاً من هجوم واسع النطاق. و جرائم الحرب التي كان يتداول تعريفها على أنها جرائم ضد القانون الدولي، هي مجموعة انتهاكات للقانون الدولي الإنساني ومنها التعذيب، الاغتصاب، الاستعباد، النهب، تدمير التراث الثقافي والتاريخي، استخدام أسلحة محظورة في الهجمات ضد المدنيين.
إذاً هناك نقاط كثيرة مشتركة في تعريف كلٍ من هذه الجرائم وتتقاطع هذه الأفعال فيما بينها لي نظرياً ولكن عملياً من حيث تداخل أركان الجريمة . على أية حال اهتمام المجتمع الدولي في ملاحقتها و تقديم الجناة إلى العدالة الدولية لا يزال يتصاعد. و هذا ما حدث مؤخراً و بتاريخ التاسع عشر من ايلول من قيام المدعي العام في السويد بمدينة ستوكهولم بتوجيه اتهامات إلى امرأة بارتكاب إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب خطيرة في الرقة بسوريا بين عامي 2014 و2016. وربما في السويد كدولة و مؤسسات قانونية تُعدُّ هذه الاتهامات الأولى من نوعها في سبيل محاكمة تنظيم الدولة الإسلامية وما ارتكبته بحق الأقلية اليزيدية في المنطقة. كما أنها الأولى من نوعها من حيث ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
والقانون في السويد له الصلاحية والاختصاص القانوني في محاكمة الأفراد ممن ارتكبوا جرائم ضد القانون الدولي حتى لو كان مكان الجريمة خارج دولة السويد و المكان هنا دولتي العراق وسوريا.
العديد يذكر ما حدث في العراق في العام ٢٠١٤ عندما تمت مهاجمة المجموعة اليزيدية حيث قُتل الكثير منها و أُلقي القبض العديد من النساء والأطفال ليصير إلى نقلهم المنطقة الواقعة تحت سيطرة داعش في سوريا. تمّ اعتبار النساء والأطفال والرجال ممتلكات تخضع لقواعد الرق و العمل القسري والعبودية الجنسية و الحرمان من الحرية والإعدام ، ما عرّض حرياتهم الأساسية و حقوقهم الى انتهاكات ممنهجة ندر مثيلها في العقود الأخيرة في مجتمعاتنا الإنسانية. بالعودة إلى المرأة التي تم توجيه الاتهام لها من قبل المدعي العام في السويد ، فهي وبحسب ما أعلنه مكتب الادعاء العام تبلغ ٥٢ عاماً و هناك اشتباه انها قامت بالتواطؤ مع آخرين بشراء و استقبال نساء وأطفال من المجموعة اليزيدية في منزلها خلال عامي ٢٠١٤ و٢٠١٦ ، قامت بمعاملتهم بطريقة لا إنسانية و استعبادهم و حرمانهم من حرياتهم. بالنظر إلى تعريف الجرائم أعلاه وما قامت به هذه المرأة هو محل بحث في سبيل معرفة مدى تطابق أفعالها مع التصنيفات الجزائية والأركان الجرمية المتوفرة ، والتي ينضوي تحتها القتل والتعرض لمعاناة جسيمة ناهيك عن الاعتداء الجسدي او الجنسي و الأذى النفسي . فإن ثبتت لائحة الاتهام ستكون محلاً لعقوبة انتهاك القانون الدولي وارتكاب جرائم حرب .
تأتي أهمية معاقبة المجتمع الدولي و مؤسساته القانونية لجرائم مرتكبة ضد القانون الدولي من قناعة مفادها أن العقاب والتجريم لأفعال ترتكب ضد الإنسانية و ضد القانون الدولي هي من الأهمية بمكان لتفادي وقوع هذه الجرائم أو تكرارها بما يعني هذا أو ذاك من حماية لحقوق الإنسان و احترام الحريات الأساسية ، الحفاظ على الثقة بين المجتمعات الإنسانية على اختلافها و تنوعها بما يساهم في تعزيز السلم والأمن الدوليين.
لا شك أن القانون الدولي الإنساني يتطور و هو من حيث المبدأ يعتمد عبر اتفاقيات جنيف الولاية القضائية العالمية لمعالجة الانتهاكات الجسيمة في رغبة أكيدة للحد من إفلات مرتكبي هكذا جرائم من العقاب. بشكل موازٍ انشأ مجلس الأمن محاكم دولية متخصصة عقب الحرب العالمية الثانية متناولة الصراعات التي قامت في قارات مختلفة حاصدة أرواح العديد من المدنيين الأبرياء وما لا يقل أهمية عن كل ما سبق هو تقدم الدول باختصاصات لتعاقب هي هي و عبر تشريعاتها المحلية هذه الجرائم . مجتمعات إنسانية تقوم على احترام حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية و العدالة هو أضعف الإيمان.