بقلم: كلودين كرمة
مع مرور الايام وتتابع السنين وقد تركت اثارها العميقة نافذة حتى مفرق النفس والجسد فتصيب الروح بالمشيب وعيون ينقصها البريق.
فان من كثرة الهموم والإشجان وتعدد المسؤوليات التى تحنى الظهور فتصبح الخطوات بطيئة من ثقل الحمل ويصعب الوصول الى الهدف وتحقيق الغاية رغم وجود العزم والهمة و الارادة يصيب النفس الشعور باليأس فى كثير من الاحيان نتيجة لكثرة المعوقات ويصور هذا لنا -وكأنها الحقيقة- باستحالة الصمود فيبدأ الصراع المرير بين ما نأمله وما هو بالحقيقة يحبط حماسنا ويطمس علامات الاصرار التى ببريقها قد انطبعت على محيانا فغيرت الملامح و احييت النفوس ورسخت بداخلنا ايمانا عميقا بما نتملكه سواء من مبادئ رفيعة نشأنا عليها او اخلاق سامية تميزنا بها او درجات علمية استطعنا الحصول عليها بعد تعب وسهر وكد.
وان الانسان يواجه هذه الحقائق مجتمعة بعد خروجه الى المجتمع منذ نعومة اظافره فنرى الطفل يعود باكيا مشتكيا من زميل له اساء معاملته او من مسئول ارهبه وتكون هذه نقطة البداية فى تسرب الخوف والقلق وبالتالى عدم الثقة بالنفس فنجده يتحول من شخصية اجتماعية خفيفة الظل الى طول منطوى يخشى الكلام او على النقيض يلجأ الى العنف لحماية نفسه ولاثبات وجوده؛ و هذا بالتأكيد يكون له الاثر الاكبر فى تكوين شخصيته فى هذه السن المبكرة. ومما لا شك فيه انه يكون للكبار ممن يحيطون به اثر بالغ الأثر فيما يتعرض له اذ انه من السهل توجيهه الى نمط معين للسلوك و اقناعه بطرق تحليل للمشاكل وتوجيه فكره الى الشر او الخير مع الاحتفاظ بالحق والكرامة بالتأكيد ..وهذا الاخير انما يصعب على الكثيرين فى زماننا الحاضر فهمه لان منطق العنف يسود لأنه يرهب طرف فيستطيع الطرف الاخر السيطرة وتملك زمام الامور.
ونرى هذه المشكلة تتفاقم و هذا المبدأ يسود فنرى الدول الكبرى تلجأ الى التهديد والوعيد وفرض العقوبات والسيطرة على دول اقل شأنا من الناحية الاقتصادية – وهذا المعول الاول لان من لا يملك قوته لا يملك حريته – او من الناحية الاستراتيجية او التقدم العلمى والتكنولوجى فى شتى المجالات..فبدلا من نكمل بعضنا البعض لمصلحة جميع الدول – اقصد الشعوب وبأكثر تفصيلا الاطفال والشباب والشيوخ الذين يعتدى على حريتهم و وينتهك امنهم مع كل اصدار لقانون جديد من كل رئيس جديد منتخب-بالعكس نقوم بشن الحروب ونشر الدمار وموت الابرياء وينتشر الفقر والمرض انتشار الوباء وتتسرب الاحزان الى القلوب وتعشش فى النفس فتصيبها بالهلع والبؤس واليأس.
اما بالنسبة لحياة المجتمعات فإننا نعانى من التحكم فدائما هناك شخص بعينه لا يجرؤ احدا على مجادلته وأمره مطاع وواجب النفاذ والا….
وذلك على المستوى السياسى داخل الدولة او فى المراكز الحكومية وكذلك فى الشركات والمدارس ونتدرج حتى نصل الى الاسرة الصغيرة ..
ولكن مهما بدا الانسان ضعيفا إلا ان الله خلقه وبداخله قوة وإصرار – تختلف من شخص لآخر- على عدم الاستسلام التام والمقاومة ولو بأقل الامكانيات للدفاع عن نفسه وحقوقه وهذا ضرورى جدا حتى يشعر بإنسانيته وكيانه ولا يصبح كأنه ريشة تحركها الرياح تعلو به إلى السماء او تسقطه الى الجحيم .. وبئس ذلك الانسان الذى تقسوا عليه الدنيا فلا هناك من معين، فيذهب عقله ليعيش فى عالم يخلقه هو ، ويراه فى خياله .
ولكن بالرغم من مقاومة الانسان ومحاولته لتحقيق ذاته ومهما بدت قوته وصموده وعلت ضحكاته فإن فى اعماقه تكمن مشاعر متداخلة
وأفكار متضاربة .. بين رغبته فى الاستمتاع بحياته والعيش فى هدوء وراحة بال الاستكانة ولو قليلا و الاعتراف بنقاط ضعفه؛ وبين واجبه فى المواجهة و مجابهة كل جديد يهدد مستقبله واستقراره ، ويكون كالجندى وهو فى حالة استعداد دائم للحرب وصد المعتدى وردع المغتصب..فانه صراع يعيشه بالفعل الانسان المعاصر مما يؤثر فيه بشكل بليغ فيؤثر على المشاعر الجميلة والروح المرحة فلا يفرح كما انه لم يفرح من قبل ولا يتفاعل مع مشاعر الحزن والأسى حتى يمد يد المساعدة و يخفف من وطأة الالم..لانه اعتاد على الافراح التى تعقبها الاحزان ، والنشوة التى تعقبها الهموم فأصبح عاجزا عن الشعور بالفرح الحقيقى او الحزن العميق وبمعنى ادق يخشى الشعور بالفرح والبهجة لئلا تباغته وتقضى عليه مشاعر الاسى و الشجن..فتصاب المشاعر بالمشيب وتصبح احادية اللون..!!!