بقلم: فريد زمكحل
تعلمت أن للسياسة أبعاد أخرى غير تلك التي تُطرح على عامة الناس، ويجهل أهدافها ونتائجها الغالبية منهم.
ومن هذه المشاهد ذلك المشهد المتوتر بين مصر وتركيا في ليبيا، وبين مصر والحكومة الأثيوبية على الجانب الآخر، وإن كانت كل المشاهد تمس أو تريد المساس بالأمن القومي المصري ربما لتوريط مصر وربما لإخضاعها لتنفيذ بعض الإملاءات التي تخدم مصالح بعض الدول الكبرى.. وفي الحالتين على القادة السياسيين في مصر التعامل معهما بمنتهى الحرص والحيطة لأن المشهد الليبي يشكل تهديداً آمنياً من الممكن التعامل معه عسكرياً إذا أقتضى الأمر ذلك، على خلاف المشهد الأثيوبي الذي يمس ويهدد حياة مائة مليون مصري بصورة مباشرة وخطيرة لما يمكن أن يترتب عليه من نتائج مفزعة على كافة المستوايات الحياتية المؤثرة بمصالح الوطن والمواطن بصورة مباشرة.
وفي تقديري إننا في أمس الحاجة لحل المشهد الأثيوبي بصورة نهائية وحاسمة بعيداً عن كافة الحلول العسكرية أو التدخلات المباشرة في السياسة الداخلية للدولة الأثيوبية خاصة والسعي لحل هذا الخلاف قد يُحلحِل ويَحل كافة المشاهد الأخرى التي تهدد الأمن القومي المصري…
وقد سبق لي طرح أحد الحلول لحل موضوع سد النهضة بين مصر وأثيوبيا في اجتماع ضمّني مع بعض النخبة من الإعلاميين والكتّاب المصريين المعروفين في مقر نادي الصحفيين في حي جاردن سيتي بالقاهرة، وكان منهم شيخ الصحفيين المصريين ونقيبهم الأسبق الأستاذ مكرم محمد أحمد، والكاتب الصحفي الأستاذ جمال زايدة مدير تحرير جريدة الأهرام المصرية والزميلة الإعلامية عزة مصطفى وغيرهم، حين تم طرح موضوع الخلاف المصري الأثيوبي حول سد النهضة للنقاش، وأذكر أنني قلت وبالحرف والواحد أنه يمكن لمصر حل هذا الخلاف حتى بدون الجلوس مع أي شخص في الحكومة الأثيوبية وبشكل مباشر ومؤثر من خلال الاتفاق المباشر مع الحكومة الاسرائيلية على مد مجرى نهر النيل حتى يصل إلى اسرائيل اللاعب الأوحد والأساسي والمحرك والمحرض الأكيد وراء هذه المشكلة، والتي ستحصل على المياه في كل الحالات بصورة مباشرة من أثيوبيا، وبما أنني أعلم ذلك الآمر الذي تعلمه بالضرورة القيادة والحكومة المصرية بكافة اجهزتها الأمنية والمخابراتية فلماذا لا نقوم بإجراء هذا الاتفاق المباشر والذي بمقتضاه ستكون الحكومة الإسرائيلية أول المؤيدين له وأول المعارضين لاستمرار وجود مثل هذا السد الذي سوف يصبح وجوده كالعدم في هذه الحالة، وربما يحدث هذا مقابل بعض الشروط التي تصب في صالح مصر والشعب المصري ومنها الانسحاب الكلي للقوات الأجنبية من ليبيا مع التعهد بالحفاظ على سيادة الليبيين على كافة اراضي الدولة الليبية ما سوف يتحقق معه الحفاظ على العمق الاستراتيجي للأمن القومي المصري بعيداً عن أي تهديد أو الدخول في حروب اقليمية يتم تحريكها من جهات خارجية لتحقيق بعض المصالح الغربية لإضعاف المنطقة وتقسيمها وتوريط مصر وجيش مصر ووقف تقدمها الراهن في العديد من المجالات وأهمها المجال الاقتصادي وتطوير البنية التحتية.
اقول هذا لعلمي التام بأن كل ما يحدث ونشاهده من الحكومة التركية والحكومة الأثيوبية لا يمكن أن يكون بدون توجيهات مباشرة ودعم مباشر من جهات أجنبية، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك لأنها المستثمر الأول في سد النهضة لتوليد الكهرباء وبيعها وتصديرها لدول الجوار الأثيوبي بالإضافة لاستخدامها لمد القواعد الأمريكية الموجودة في المنطقة أو في القرب منها بالكهرباء.
والاتفاق المصري مع اسرائيل يُفسد المخطط الأمريكي من المنبع والذي تأكد ميوعته وبوضوح من خلال الموقف الهزلي الذي اتخذته الإدارة الأمريكية من هذا الخلاف وظهر في الاجتماع الذي تم بين الوفدين المصري والأثيوبي بوجود البنك الدولي، خاصة لو عرفنا قيام الولايات المتحدة بدفع أكثر من 4 مليار دولار للحكومة الأثيوبية لتنفيذ وإتمام مشروع بناء سد النهضة، هذا بخلاف الملايين المدفوعة للحكومة الأثيوبية والتي تتخطى حدود المليار دولار تحت مسميات أخرى من ضمنها التنمية ومواجهة المشاكل الطارئة.
كل هذا بهدف الضغط على مصر التي اصبح عليها أن تكسب كافة معاركها مع الحفاظ على كافة مواردها حتى ولو كان هذا بتحالفها مع الشيطان.
وعلى كل مصري ومصرية الاصطفاف وراء القيادة المصرية بصورة جادة وحاسمة للتصدي لكل هذه المؤامرات وإفشالها.
حفظ الله مصر قيادة وشعباً وهو سميع مجيب!!