بقلم: د. حسين عبد البصير
مدير متحف الآثار والمشرف على مركز
د. زاهي حواس للمصريات-مكتبة الإسكندرية
أصدرت المؤسسة المصرية الروسية للثقافة والعلوم بالتعاون مع دار نشر أنباء روسيا كتاباً جديداً من إصداراتها : «من لينين إلى بوتين: روسيا في الشرق الأوسط والأدنى» للمستشرق الروسي المعروف ألكسي فاسيليف الذي يترأس معهد آسيا وأفريقيا التابع لأكاديمية العلوم الروسية، وقدم له دراسة تحليلية وقراءة نقدية المهندس «أحمد بهاء الدين شعبان» الكاتب ورئيس الحزب الإشتراكي المصري.
يعتبر كتاب «من لينين إلى بوتين: روسيا في الشرق الأوسط والأدنى» ثمرة تاريخ طويل امتد لنصف قرن قضاه المؤلف في دراسة منطقتي الشرق الأوسط والأدنى، وفي إجراء تقييم موضوعي وبعيد عن الأحكام المسبقة للأهداف والأساليب والوسائل التي انتهجتها موسكو في سياستها الخارجية، وما حققته من انجازات حقيقية، وكذا لحظات الفشل والخطأ في الحسابات التى ارتكبتها في تلك المنطقة من «العالم الثالث»، شديدة الأهمية بالنسبة لروسيا سواء السوفيتية أو ما بعدها.
وتلك هي المرة الأولى في دراسات علم التأريخ التي يتم فيها تناول عملية اتخاذ القرارات داخل الكريملين تجاه منطقة الشرق الأوسط بالبحث والدراسة والتحليل. ويحتوي الكتاب على معلومات تنشر لأول مره حول أزمة السويس 1956م والحروب العربية الإسرائيلية عامي 1967م و1973م وحرب الخليج 1991م والتدخل السوفيتي في أفغانستان وسياسة موسكو تجاه إسرائيل.
كما يتناول الكاتب بالتحليل الخطوات البرجماتية التي تنتهجها القيادة الجديدة في روسيا في إطار مكافحه الإرهاب وتدخل قوات التحالف في كل من العراق وأفغانستان وكذا تجاه «الربيع العربي» والأزمة السورية. ويثبت الكاتب بالأدلة أنه لم يعد هناك مكان لدور رسول السلام في السياسة الروسية، كما أن المكون البراجماتي أيضا في تلك السياسة ليس بلا حدود.
ويتناول كتاب «من لينين الى بوتين – روسيا في بلدان الشرق الأوسط والأدنى» استعراضا للتطور التاريخي للعلاقات بين الاتحاد السوفيتي ومن بعده روسيا والعالم العربي وتركيا وإيران وأفغانستان منذ عشرينيات القرن الماضي وحتى اليوم.
يمثل الكتاب الذي بين أيدينا أهمية كبيرة نظرا لكونه يطرح رؤية جديدة للوضع في الشرق الأوسط والأدنى لم يسبق أن طرحت في الأدبيات العربية. وترجع أهمية الكتاب أيضا إلى السمعة التى يحظى بها مؤلفه المستشرق الكبير ألكسي فاسيليف الأكاديمي الكبير وأفضل المستشرقين الروس دراية بالوضع في المنطقة ومتابع لتطور العلاقات بين روسيا وبلدان العالمين العربي الإسلامي.
كما أن مؤلف الكتاب يعد من المقربين من دوائر صنع القرار في روسيا خلال العقود الخمس الماضية ولذا تتسم أحكامه واستنتاجاته بالكثير من المصداقية.
تجدر الإشارة إلى أن ألكسي فاسيليف قد كرس ستين عاما من حياته لدراسة قضايا الشرق الأوسط منذ التحاقه بمعهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية و دراسته بجامعة القاهرة و عمله في منطقة الشرق الأوسط مراسلا صحفيا لصحيفة «برافدا»، علاوة على رئاسته لعقود لمعهد آسيا وأفريقيا التابع لأكاديمية العلوم الروسية ، ناهيك عن الزيارات المستمرة للمنطقة في السنوات الأخيرة سواء كان بشخصه أو بصفته الإستشارية مرافقا للوفود الرسمية الحكومية لبلاده.
يبلغ عدد مؤلفات الكاتب أكثر من 40 كتابا و مئات المقالات التى تم ترجمتها الى 15 لغة عالمية. و من أهم مؤلفاته «تاريخ العربية السعودية» و «إفريقيا و تحديات القرن الحادي و العشرين» ، «جسر البوسفور» «مصر و المصريون». و قد أثني سياسيون كبار من أمثال يفجيني بريماكوف و الأمين العام للأمم المتحدة بطرس غالي على المؤلف و كتاباته.
تمتد الحقبة التاريخية التى يتناولها كتابنا «من لينين الى بوتين. روسيا في الشرق الأوسط و الأدنى» لمائة عام من العلاقات بين روسيا و هذه المنطقة حيث تحولت السياسة الروسية من الرومانسية الرسولية الى البرجماتية الصارمة: أزمة السويس 1956، الحروب العربية الإسرائيلية 1967 و 1973، الحرب في الخليج العربي 1991، التدخل السوفيتي في أفغانستان و سياسة موسكو تجاه إسرائيل.
يقدم الكاتب تقييما موضوعيا ونزيها للأهداف و المناهج و السبل التى تستخدمها موسكو في سياستها الخارجية وانجازاتها و إخفاقاتها في المنطقة. كما يقوم بتحليل الخطوات البرجماتية للقيادة الروسية الجديدة في إطار مكافحة الإرهاب و التعامل مع تدخل الولايات المتحدة الأمريكية و حلفائها في أفغانستان و العراق و تجاه أحداث الربيع العربي و الأزمة السورية.
ويمكن القول بثقة إنه لم يسبق أن تطرق أي من الباحثين من الجانبين الى تتبع التطور التاريخي للعلاقات العربية الروسية عبر قرن من الزمان. ويرجع السبب في ذلك الى أن كثير من الوثائق والأسرار لم يتم الكشف عنها إلا منذ سنوات قليلة.
وقد جاء الكتاب في حوالي 750 صفحة ولذا فهو يمثل مرجعًا في تاريخ العلاقات بين روسيا والشرق وهو بذلك يمثل أهمية للباحثين في التاريخ والعلوم السياسية الروس والعرب وكذا لدارسي الثقافة الروسية والمهتمين بالشأن الروسي عموما.
وفي الفصل الأول يتحدث الكاتب عن جذور العلاقات بين روسيا وبلدان الشرق الأوسط والأدنى وأسباب اهتمام روسيا بهذا الجزء من العالم. ويتوقف المؤلف عند تطور العلاقات بين الجانين أثناء الحرب العالمية الثانية.
وفي الفصل الثاني يتتبع الكاتب تطور العلاقات في عصر خروشوف ويكشف عن أسرار جديدة في العلاقات بين الاتحاد السوفيتي ومصر.
وفي الفصل الثالث يتناول فاسيليف العلاقات الروسية الشرق أوسطية في عصر بريجينيف في ظل بوادر انهيار الاتحاد السوفيتي. وفي الفصل الرابع يتوقف المؤلف عند العلاقة بين الاتحاد السوفيتي والحركات والتنظيمات والأحزاب اليسارية والشيوعية في الشرق الأوسط والأدنى.
وفي الفصل الخامس يتناول فاسيليف العلاقات بين الاتحاد السوفيتي وبلدان شبه الجزيرة العربية.
وفي الفصل السادس يتتبع الكاتب تطور العلاقات بين الاتحاد السوفيتي وبلدان الشرق الأوسط والأدنى في فترة ما بعد بريجينيف وحتى تولي جورباتشوف الحكم.
وفي الفصل السابع يتوقف المؤلف عند أزمة أفغانستان والتدخل العسكري السوفيتي وهزيمة السوفيت التي عجلت بانهيار الإمبراطورية الشيوعية بالكامل.
وفي الفصل الثامن يتحدث الكاتب فاسيليف عن تطور العلاقات في عصر ميخائيل جورباتشوف وانتهاء عصر الثنائية القطبية وبداية الهيمنة الأمريكية على العالم.
وفي الفصل التاسع يتحدث الكاتب عن العلاقات بين الاتحاد السوفيتي وكل من فلسطين وإسرائيل ودور موسكو في التسوية الشرق أوسطية.
وفي الفصل العاشر يتحدث عن غروب شمس الإمبراطورية السوفيتية والدور الذي لعبته في اخر أيامها في أزمة الخليج.
ويدور الفصل الحادي عشر عن الضعف الذي أصاب روسيا في التسعينيات، وتأثير ذلك على السياسة الخارجية الروسية في منطقة الشرق الأوسط والأدنى.
وفي الفصل الثاني عشر يتحدث فاسيليف عن بداية عودة روسيا الى المنطقة بعد استعادة قدراتها الاقتصادية ونفوذها السياسي تدريجيا.
وفي الفصل الثالث عشر يتناول المؤلف ثورات الربيع العربي وتعامل موسكو معها ورؤيته الخاصة لمستقبل هذه الثورات.
وفي الفصل الرابع عشر يتحدث الكاتب عن الأزمة السورية وجذورها والجهود الروسية المبذولة لحلها.
وفي الفصل الخامس عشر يتحدث عن الصراع الدائر حاليا للسيطرة والصراع على النفوذ في المنطقة والتدخل العسكري الروسي في سوريا.
وكحال أي مؤرخ يعمل المؤلف مع الأثار والشواهد التاريخية في السياسة أي مع الوثائق والبيانات والتصريحات والأحاديث والبروتوكولات و الاتفاقيات. و قد استفاد من قدرته على الوصول الى مصادر المعلومات.
سيرا على هذا النهج ، إزدان كتاب فاسيليف بمادة حوارية غنية ،إذ قام المؤلف بعمل لقاءات صحفية مع العديد من رجال الدولة في العهود السابقة بوصفهم أحد مستويات الحقيقة، و كذا لقاءات مع بعض ممن تبقوا في السلطة، و الذين وافقوا على عقد لقاءات مماثله و من هؤلاء السيد د.ت.شيبيلوف صاحب الستة و الثمانين عاما و الذي سلم التحذير النووي الصاروخي الشهير في الخامس من نوفمبر عام 1956م إلى سفراء كل من بريطانيا و فرنسا و إسرائيل أثناء العدوان الثلاثي و كذا السيد إدوارد شيفرنادزه الذي تقدم باستقالته من منصب وزير خارجية الاتحاد السوفيتي في لحظة دراماتيكية في نهاية التسيعينيات. ثم تولى رئاسة الهيئة و بعدها استقال من الحزب الشيوعي السوفيتي و أصبح واحد من قادة حركة الإصلاح الديمقراطي و في عام 1992م عاد إلى جورجيا و تولى رئاسة مجلس الدولة هناك. و في نهاية العام اختير رئيسا للمجلس الأعلى لجورجيا ثم رئيسا لجورجيا.
كما يتضمن الكتاب حوارات بين المؤلف و يفجيني بريماكوف رئيس الوزراء السابق و ميخائيل بوجدانوف المبعوث الشخصي للرئيس الروسي و نائب وزير الخارجية و ايجور ايفانوف وزير الخارجية الاسبق و غيرهم.
و قد أتاحت له الزيارات المتواصلة إلى بلدان المنطقة و اللقاءات مع المسئولين الغربيين و العرب أن يستشعر جيدا نبض تلك السنوات ، إذ يتضمن الكتاب الكثير من الانطباعات عن زياراته الى مصر و سوريا والإمارات العربية المتحدة و عمان و غيرها.
ويكشف الكتاب عن الكثير من الأسرار ويتضمن العديد من اللقاءات الصحفية مع صناع قرار في الحكومة ومسؤولين نافذين في الخارجية الروسية.
والكتاب هام للباحثين في الشأن الروسي والمستشرقين والعاملين في حقل السياسة الدولية والمهتمين بسياسة روسيا في الشرق الأوسط والأدنى.
قام بترجمة الكتاب الى اللغة العربية الدكتور محمد نصر الدين الجبالي الأستاذ ورئيس شعبة اللغة الروسية بكلية الألسن، وتصدر طبعته العربية عن دار نشر أنباء روسيا والمؤسسة المصرية الروسية للثقافة والعلوم متزامنة مع صدور الكتاب باللغة الروسية .
الكاتب الكسي فاسيليف حضر للقاهرة خصيصا لعرض وتقديم كتابه ضمن فعاليات الدورة 49 لمعرض القاهرة للكتاب مشاركا فى المؤتمر الدولى للتواصل الثقافى العربى الروسي فى دورته الثالثة .