بقلم: علي عبيد الهاملي
كاتب وإعلامي إماراتي
من التقاليد التي كانت الصحف تحرص عليها في الماضي نشر أسماء مواليد 1 يناير في اليوم الأول أو الثاني من العام الجديد، ولكن ربما اعتقد البعض الآن أن من سمات التطور أن تتخلى الصحف عن هذه العادة في زمن وسائط التواصل الاجتماعي التي أخذت على عاتقها نشر أخبار المناسبات الاجتماعية وغير الاجتماعية على مدار ساعات الليل والنهار، وليس في بدايات الأعوام ونهاياتها فقط. على أي حال ليس هذا موضوعنا، ذلك أننا جميعا نعدّ أنفسنا من مواليد 1 يناير إذا اعتبرنا الحادي والثلاثين من شهر ديسمبر نهاية مرحلة، والأول من شهر يناير بداية مرحلة جديدة في حياتنا. ولهذا يحتفل العالم بليلة رأس السنة الميلادية باعتبارها الخط الفاصل بين مرحلتين من حياتنا، أو هي اللحظة التي نتمنى فيها أن نتخلص من ذكريات العام الراحل الحزينة والمحبطة، وننظر بأمل كبير إلى العام المقبل، متمنين أن نتمكن ونحن نقف على خط الزمن الفاصل هذا من نسيان إخفاقاتنا وتحقيق أمنياتنا. مواليد 1 يناير إذن ليسوا هم الذين يأتون إلى الدنيا في هذا اليوم، وإنما جميع من أتوا إلى الدنيا منذ أعوام يختلف عددها من إنسان إلى آخر، ولا يمنع تفاوت الأعمار هذا إحساسنا بأننا نولد من جديد صباح كل يوم نطل من خلاله على الحياة، لأن اليوم الذي يمضي من حياتنا يصبح واقعا لا نستطيع تغييره بكل ما فيه من أحداث سعيدة أو حزينة، لأنه حياتنا الحقيقية التي عشناها وعرفنا تفاصيلها، بينما يبقى ما لم نعشه مجهولا لم نعرف بعد تفاصيله، ولا نعرف إن كنا سنعيشه، وكيف سنعيشه، وإلى متى سنعيشه، وهل سنتذكره لنرويه لأبنائنا وأحفادنا مثلما فعل الكاتب الكولومبي الشهير غابرييل غارسيا ماركيز، عندما روى في كتابه «عشت لأروي» سيرته الذاتية، بادئا الكتاب بهذه المقولة: «الحياة ليست ما يعيشه أحدنا، وإنما هي ما يتذكره وكيف يتذكره ليرويه»؟
هذا الذي نشعر به هو الذي يجعل بعضنا يحسّ بالقلق من نهايات الأعوام وبداياتها لأنها تعني لنا مرور الزمن الذي يسير بوتيرة متسارعة كلما أوغلنا في العمر، وهو سير لا يعرف الرجوع إلى الخلف مهما حاول بعض العلماء والكُتّاب والسينمائيين تخيّل آلات له تذهب إلى المستقبل أو تعود إلى الماضي، مثلما فعل الكاتب الإنجليزي إتش. جي. ويلز في روايته الشهيرة «آلة الزمن» التي تحولت إلى فيلم سينمائي مرتين؛ الأولى عام 1960 من إخراج جورج بال، والثانية عام 2002 من إخراج سيمون ويلز، ابن حفيد كاتب الرواية، التي تم تصنيفها، هي والأفلام، على أنها من الخيال العلمي.
ليس ثمة شك في أن العرافين والمنجمين والمتنبئين قد ازدهرت سوقهم ليلة رأس السنة الميلادية، مثلما تزدهر في هذه الليلة من كل عام، وربما حرص الكثيرون منا على متابعة هذه التبؤات التي نشطت القنوات التلفزيونية في الإعلان عن مواعيدها خلال الأسابيع الأخيرة من العام الماضي، وأن ثمة أسماء لمعت من بينهم لتحتل الصدارة كما جرت العادة، وأن هذه الأسماء قد برعت في إضفاء نوع من الإثارة على تنبؤاتها للعام الجديد، وأن هذه التنبؤات ليست مبنية على علم الغيب الذي اختص به الخالق نفسه ونفى حتى علم أنبيائه ورسله به، وإنما على قراءة مجريات الأحداث والبناء والقياس عليها، ودغدغة عواطف الناس والاقتراب من أمنياتهم، مثلما حدث خلال الأعوام السابقة عندما اجتمعت عوامل لتتحقق بعض هذه التنبؤات فاكتسب أولئك المنجمون والعرافون والمتنبئون لدى البعض مصداقية رفعتهم إلى مرتبة معرفة الغيب المحجوب عن البشر، وأكسبتهم شهرة أصبحت مصدر دخل مادي كبير لهم، حتى أن بعضهم أنشأ لنفسه تطبيقات على الهواتف المحمولة وقنوات خاصة على منصة «يوتيوب» برسوم اشتراك شهرية أو سنوية.
نبارك لمواليد 1 يناير قدومهم إلى الدنيا، متمنين لهم عالما أفضل وحياة أسعد، فربما كانوا هم الأمل المتجدد في حياتنا، وربما أصبحوا الشموع التي تضئ المناطق المعتمة من عالمنا.