بقلم: تيماء الجيوش
القوالب النمطية والتعميم تنشأ حين نصيغ رأياً عن مجموعة مجتمعية أو أفراد أو ربما أمة بأكملها دون أن نُجهد أنفسنا بالبحث الجاد والعميق والحيادي عن هويتهم ، ثقافتهم، قيمهم، مبادئهم وكل ما يُشّكل حياتهم . العديد وجدوا أنفسهم في أوضاعٍ او مواقف غير مناسبة نظراً لقدومهم من بلدٍ او مجتمع معين، دين ، طائفة، ثقافة أو عرقٍ ما.
إلى بيئة أو بلد مختلف وكانت تنتظرهم أفكاراً وآراءً مُسبقة لا تعكس حقاً من هم وكان لها من التأثير العميق على حقوقهم، تأقلمهم ، ممارسة حياتهم اليومية ، واجباتهم وهذا ما أدى في أحايين كثيرة إلى إثارة الجدل و النقاش حول الصور النمطية و أثارها ونتائجها في أكثر من بلد و على امتداد سنين عدة . تتنامى اليوم أكثر من ذي قبل حركة الهجرة واللجوء من بلداننا العربية . و المرأة العربية كان ولا يزال و بنسبة لا بأس بها يُنظر إليها على أنها مُستلبة ، مُعنّفة ، لا تعليم لديها، لا ثقافة ، وليس لديها الرغبة في الاندماج الاجتماعي، تميل الى العزلة و الخوف من الاخر ، بل ويتجه التنميط نحو المنحى الاكثر تطرفاً ألا و هو جملهُنّ على أنهن نساء الحرملك وهُنّ صاغرات عليهن واجب الطاعة سواء كانت ابنة، أخت، أم أو زوجة . من وجهة نظرٍ لا منحازة ربما هذا صحيح لدى البعض، لدى بعض الحلقات او بعضاً من البيئات الاجتماعية المحافظة ولكنها جزء وليست كل. ربما أيضاً هذا و كما ذُكِرَ أعلاه يُمّثل نسبة ما ولكنها ليست مُطلقة ، وبالتالي قد يقع العديد في هوة الصورة النمطية حين يُعمم هذا الرأي على نساء المنطقة العربية بالمجمل، فالمرأة العربية عملت و بجهد كي تنال موقعاً لها في الحياة العلمية، الاقتصادية ، الاجتماعية و الثقافية ، ناضلت كي تكون شريكة فاعلة ضمن شروطٍ ليست بالهينة بتاتاً. لم تكن فيها السلطة السياسية داعمة لها في غالبية الدول العربية، من يتابع الجانب الرسمي العربي يجده يؤكد على أن المرأة هي جزء أساسي في التطوير و التحديث الاجتماعي والاقتصادي و التنمية ككل ، بينما و بتناقض صارخ أخفقت الممارسة العملية في دفع المرأة نحو تحقيق الهدف الأساسي في الشراكة الكاملة غير المنقوصة . و هذا ساهم حقيقةً في تكريس التنميط الذي ما فتأ يقع عملياً و باستمرار و من جهات متعددة بما فيها النخبة أحياناً التي تخلُص من حيث المبدأ مستعينة بكل ما تفرزه الصور النمطية من نوائب لا سيما عن المرأة وتؤكد و بالبينة الى انه ليس هناك من قواسم مشتركة مع الجاليات العربية أو مستقبلاً مشتركاً لانتفاء التشابه على الصعيد الحضاري ، المدني، الاجتماعي، الإنساني، الثقافي و بالتالي لا اندماج هناك، هو غلو في الرأي ولكنه يحدث . وهذا من الخطورة وهو من الأهمية بمكان العمل عليه أي كسر التنميط و الصور النمطية عموماً في وقتٍ تتصاعد فيه حدة التطرف و رفض الآخر .
لا بُدّ من برنامج فاعل يستند إلى دراسة مُجدية لنشأة النمطية، العوامل الذاتية والموضوعية ، تفاعل النمطية و تغيرها و تصاعدها إن وُجد. أهمية البرنامج تأتي من عاملٍ ديموغرافي نشهده حين أخذت الجاليات العربية أرقامها بازدياد مع ارتفاع أرقام الهجرة واللجوء من البلدان العربية ولظروفٍ مختلفة و كذلك حال المرأة العربية التي ازدادت أعدادها هجرة ولجوءً إما كونها مرافقة لعائلتها او قدومها بمفردها. النمطية بلغت ذروتها حين وقعت هجمات الحادي عشر من أيلول في العام ٢٠٠١ والتي رسمت الفرد العربي عموماً على انه إرهابي سليل ثقافة عنيفة ، هكذا وبسويةٍ واحدة . زد على ذلك عندما عادت المجموعات الدينية الراديكالية كـداعش وأمثالها و شبيهاتها لتؤكد هذا و تُضيف عليه ما أوقعته من عنف غير مسبوق على النساء ليعود مصطلح مثل السبايا للتداول، زواج الصغيرات ، و لتجد بالتالي النمطية كل ما تصبو إليه من ارضٍ خصبة لتتطور و تتجذر و قد ألقت بعرض الحائط بكل ما تعمل و تصبو إليه جاهدة المرأة العربية من احترام للحقوق والكرامة و العدالة والمساواة. تتعالى أصوات عدة و لا تُجافي الحقيقة حين تتلمس آثاراً لمناهضة العرب و عدم احترامهم و تكريس مقصود في المفاهيم الخاطئة عنهم ما أدى الى زيادة العبء على كاهل المرأة العربية في المُغترب ، و التي قد نجد منهن قد تأرجحت ردات الفعل لديهن من حيث تقديرهن لذاتهم و طريقة معيشتهن إن جاز القول ، البعض منهن تتخلى عن هويتها الثقافية ، أو قد تبقى في حالة دفاعٍ مستمر و تفسير في محاولة لتصحيح سوء الفهم والتقدير ، أو حماية الهوية،….. الخ. هذا كله أدعى لأن يكون هناك خطة واضحة او برنامج عمل فردي او جماعي للتعريف بالمرأة العربية ، من هي و محيطها الاجتماعي، السياسي، الاقتصادي، الثقافي و القانوني ، و محاربة النمطية و كل النوائب و النتائج ذات الجذور العميقة و التي جلبتها بشكلٍ خاص الجماعات الراديكالية المتشددة.
ليس بالأمر الهين فالصعوبات عديدة و مُعقّدة و العوامل مُركّبة تبدأ من النسبة العالية للأمية الثقافية والدونية الاجتماعية الاقتصادية ، العادات والتقاليد التي عفا عليها الزمان ومضى لكنها راوحت في مكانها تجذب المرأة العربية الى دائرة تحاصرها ولا تُخرجها منها. ومساهمة الموروث التقليدي الاجتماعي في دفع عددٍ من النساء ذواتهن إلى الحفاظ على الصورة السلبية النمطية عبر الدفاع المُستميت عن هذا الموروث وكل موبقاته التي أساءت للمرأة و أسهمت في دونيتها. ناهيك عن عدم وجود الرغبة السياسية لدى الجانب الرسمي لدفع المرأة العربية نحو الشراكة الكاملة والفاعلة ، أضف إلى ذلك الإعلام الذي اخفق في مناصرة المرأة العربية و هو الذي يحتوي على مقالات و اخبار واراء و تحليل يصب جميعها في مجرى حياة المجتمعات اليومية و عبر ما يقدمه يتبلور الرأي والرأي الآخر .
لا تستحق النساء هذا العبء كله ، كما لا تستحق أن تستمر هذه النمطية .