بقلم: علي عبيد الهاملي
أجد أنه من الصعوبة إيصال هذه الرسالة. الدموع تنهمر على خدي. وصلتني رسائل صوتية عديدة. تقول هذه الرسائل إن أجهزة التنفس الصناعي يتم سحبها من المرضى الذي تجاوزت أعمارهم 65 عاما في مدريد بأسبانيا، وإنه يتم تخديرهم إلى أن يموتوا من أنفسهم، لأنه لا توجد أجهزة تنفس صناعي لكل الناس، ويريدون إعطاءها لمن هم أصغر سنا. الآن سأقوم بتشغيل المقطع الصوتي وأحاول أن أتمالك أعصابي وأهدأ. بعدها سأقوم بالتعليق عليه. أرجو منكم الاستماع إليه ونشره في وسائل التواصل الاجتماعي. لدينا واجب تجاه هذه الأمة.. تجاه أهالينا كبار السن. لا نستطيع تركهم يموتون بهذه الطريقة غير الأخلاقية.. لا نستطيع فعل ذلك.
(الوضع في مدريد كارثي. السياسيون لا يرون أو لا يريدون أن يعرفوا ما يجري هنا. توجد أعداد هائلة من المرضى مقابل أعداد قليلة جدا من الأطباء والممرضين. لا توجد مواد نستخدمها، ولا أماكن للمرضى، ولا أجهزة تنفس. الكثير من المرضى نقوم بإعطائهم مخدرا ونمسك بأيديهم إلى أن يموتوا، لأن عائلات هؤلاء المرضى غير قادرين على أن يكونوا بجانبهم ويمسكوا بأيديهم وهم يموتون، لكي نوفر أجهزة التنفس لمن هم دون 65 عاما.
قيل لنا أن نتظاهر بالشجاعة ونذهب إلى العمل عارفين أننا سنترك الناس لتموت. «إبك في البيت.. إبك في الليل، لكن اذهب إلى عملك صباح اليوم التالي»! هذا جنون.. عليهم إغلاق مدريد وتوفير المعدات الطبية فيها وإلا لن نستطيع احتواء المشكلة. لن نستطيع أن نوقف انتشار هذا الوباء الملعون. في ذلك الوقت حتى الأقوى سوف يموت، حتى ذو الحياة والنفوذ سيموت. أرجوك انشرها على نطاق واسع واجعل كل شخص يعرف؛ نحن نختار من يحصل على التنفس الصناعي ومن لا يحصل عليه لأنه لا توجد أجهزة تنفس صناعي كافية. إما أن نوقف هذا الوباء في الوقت المناسب أو سوف ينتهي بنا الحال جميعا إلى النهاية…
أنا طبيبة في مدريد، وأرجو منك أن ترسل كلامي لأي شخص تريد. هذه ليست كذبة.. هذه ليست خدعة.. هذه شهادة حقيقية عما يحدث في المستشفيات في أسبانيا.. في مدريد).
هذا ليس مشهدا من فيلم سسينمائي يجري تصويره في المستقبل عن وباء كورونا المستجد الذي اجتاح العالم عام 2020 ميلادية، ولكنها رسالة وجهتها طبيبة أسبانية قبل أيام عن الوضع في مدريد. وهي رسالة مؤثرة، تترك في النفس ألما لما آلت إليه الأمور في العاصمة الأسبانية، وتعكس واقعا مرا لم نتوقع أن نسمع عنه يوما في أشد دول العالم الثالث فقرا، لكننا اليوم نعيشه بالصوت والصورة في واحدة من مدن العالم المتقدم وأكثرها تاريخا وحضارة.
ثمة مشاهد أخرى أكثر غرابة في عواصم ومدن غربية متقدمة؛ أطباء وممرضون في أحد مستشفيات نيويورك يرتدون أكياس قمامة للوقاية من مرض كورونا لأن المعدات والمستلزمات الصحية نفدت من مستشفياتهم! الأسرّة وأجهزة الفحص والحماية وأجهزة التنفس لا تفي باحتياجات مستشفيات أكبر المدن الأمريكية والمدينة الأكثر تأثيراً في مجالات التجارة والمال والإعلام والفن والأزياء والعلوم والتكنولوجيا والتعليم والترفيه، المدينة التي تُعدّ أهم مراكز التجارة والمال، والعاصمة الثقافية والاقتصادية للعالم، المدينة التي يسميها الأمريكيون THE BIG APPLE)). تقديرات المسؤولين تقول إن عدد الإصابات في الولايات المتحدة قد يصل مليونين، وأن عدد الوفيات قد يصل 200 ألف. شهر مارس الماضي يشهد أرقاما قياسية في مبيعات الأسلحة في الولايات المتحدة، حيث تم تصنيف متاجر الأسلحة على أنها أساسية، وظلت مفتوحة وسط تفشي أزمة كورونا، والناس يتهافتون على شراء الأسلحة لحماية أنفسهم تحسبا لحدوث فوضى أو اضطرابات بسبب تفشي الوباء! نحن نتحدث عن الولايات المتحدة الأمريكية سيدة العالم، وليس عن دولة فقيرة متخلفة من دول العالم الثالث.
الأقنعة الطبية في مستشفيات كندا يتم إعادة تعقيمها كي يستخدمها الأطباء والممرضون، والمصابون بالفيروس لا يجدون لهم مكانا في المستشفيات الكندية. عمدة برلين يتهم الولايات المتحدة بممارسة «قرصنة العصر الحديث» بعد أن اعترضت في بانكوك شحنة تضم 200 ألف قناع متوجهة من مصنع أمريكي في الصين إلى برلين وأخذتها إلى الولايات المتحدة. جمهورية التشيك تستولي على شحنة معدات طبية كانت مرسلة من الصين إلى إيطاليا، ووزير داخليتها يعترف بالواقعة، ويبرر ما حدث بأن سوء فهم قد وقع، ويقول إنه لا سبيل إلى إعادة المعدات بعد أن تم توزيعها داخل المستشفيات.
لقد خصصت الدول العظمى الميزانيات الضخمة للتسلح وإدارة الصراعات في أنحاء العالم المختلفة، وغاب عنها أن فيروسا لا يُرى بالعين المجردة يستطيع أن يتسلل إلى أكبر حاملات طائراتها ويفتك بجنودها الذين اعتقد قادتهم أنهم لا يمكن أن يُهزموا في أي معركة.
هل تضع «كورونا» نهاية لأسطورة الدول الأكثر تقدما، وتعيد رسم خارطة العالم بعد انتهاء الأزمة.