الأديبة : إخلاص فرنسيس
هل أزعجك حضوري؟ سألته وهو ينظر نحوي وكأنّه لا يراني، بل كأنّ نظراتِه تخترق جسدي، يطوي المسافة الشفيفة بيني وبينه، في فراشه كالمعتاد هادئ على غير عادته الصباحية. مدّ يده نحوي يدعوني إليه، بحركة عفوية جلست في مواجهته. أنا وهو وجهاً لوجه صامتان، وفي العيون سيناريو الكلام كلّه.
أردت أن تهنأ نفسي، أنظر في عينيه، ويده تعبث بخصلات شعري، وعيناه تخترقانني.
أخاف أن أستيقظ من حلمي، ولا أجدك إلى جانبي، لم أجد ردّاً أقوله.
قال: أنا أتفاوض مع الأيام، أريدها أن تنساك إلى جانبي، نسيت كلّ ما أردت أن أقول، كلّ كلام الحبّ والعشق، وكلّ مفردات الهيام التي أعددتها في طريقي إليه. تخيّلت مشاهد اللقاء، وحلمت بي أندسّ تحت الأغطية البيضاء، أتوسّد صدره، أعبّ من شفتيه حتى الثمالة. فرح خفي يشدّني، ولكن أمام تلك النظرات توقّفت كلّ حواسي، رأيت الوجع يسيل مثل ضوء الفجر، يتلألأ لؤلؤ هارب من محاره.
عرفت كم هو موجع أن تقف على حدّ السكين. انتهى أيلول، وانتهى تشرين وتشرين آخر يسير نحو حتفه، ويده ما زالت تسير على وجهي، تقيس المسافة، تلتقط الصور، تحبس حرارة الأنفاس، توقظ الدمع في العيون، وتهدّئ ارتعاشة الشفتين. يرتّب غضبه بكلّ أناقة، يحسن صناعة الهدوء، خلّاق في ابتكار الحنين والشغف، ماهر في ترتيب فوضى حواسي.
أردت أن أقول عبارة واحدة، أن أبرّر له كلّ ما يقول، وما لا يقول، ولكن شدّني نحوه، قطع آخر خيط بيننا، وأعتقني منّي، دفنت رأسي في صدره، وأنا أصغي إلى انتحاب قلب تقمّص في صدري في حيوات أخرى.
نلتقي وكما كنّا سنكون، وسوف أقطف قُبلة على الرغم من عبثية الأشياء حولنا. جرّدني الوجع من كلّ شيء، أهابه، أهواه، نطلّ على الحياة مثل حبيبين تمرّسا في العشق، فامتلأ الخيال بهما، وصدحت المعاني والقصائد، وامتلأت الصفحات من عشقهما.
ولدنا من صلصال البنفسج، وإلى البنفسج نعود.