بقلم: بشــير القــزّي
كنت أخالُ، أننا كشعوب، قد تقدّمنا كثيراً خلال بضعة العقود الماضية، وأن القوانين والأُسس الاقتصادية وَضَعتكلّ التعاملات المصرفية والمالية على المسار الصحيح بحيث أن أرزاق الناس أصبحت محميّة حتى لا يضيع حقٌ لصاحبه.
التعامل في الماضي البعيد
في الماضي البعيد كان التعامل التجاري مبنياً على المقايضة. كان المشتري يُقايض البضاعة التي بحوزته بنوع آخر من المنتوجات التي لا تنبتُ أو تُصنّع في منطقته وكان التعامل مبنياً على العرض والطلب! وإذ انقرض هذا النوع من التبادل مع الزمن إلّا أني لا زلت أذكر آخر أنواعها في طفولتي إذ كان تاجر الخردة يمرّ لجمع ما استطاع منها في شاحنته ويطوف الشوارع وهو يصرخ: “حديد بقضامة”! وكان يعطي قدراً معيناً من القضامة الصفراء مقابل من يُزوّده بكمّية من الخردة!
التعامل بالذهب
كان الذهب، وما زال، من المعادن الثمينة النادرة المرغوبة، وكان يستعمل في الحلى والمجوهرات. ونظراً لندرته وقلّة حجمه،أصبح معياراً للتبادل التجاري. ولتثبيته، صَكّت أولى الحضارات عملات من الذهب مبنيّة على الأوزان التي تحويها كل قطعة، كما أصدرت أيضًا عملات تمّ صكّها من معادن ثمينة أخرى، أهمّها الفضة.
التعامل بالأوراق النقدية
نظراً لصعوبة تنقّل الأفراد وفي حوزتهم أموال معدنيّة تُعيق تحرّكهم، بدأت الدول في القرن التاسع عشر بإصدار عملات ورقيّة مطبوعة. مقابل كلّ إصدار ورقي كانت كلّ دولة تحتفظ في مصرفها المركزي بذهبٍ يوازي بوزنه القيمة النقدية للإصدار! كان هذا من الناحية النظرية إلّا ان بعض الدول قامت بالتغاضي عن اتباع هذه المعادلة بحرفيّتها مما جعل بعض العملات عرضة لانخفاض قيمتها.
نيكسون وإلغاء التحويل المباشر من الدولار الأمريكي إلى الذهب
في ١٥ آب (أوغسطس) ١٩٧١ قام الرئيس نيكسون بإلغاء التحويل الدولي المباشر من الدولار الأمريكي إلى الذهب، وما زالت ذيول هذه البادرة تتفاعل حتى اليوم! ما كان من المفترض أن يكون قراراً مؤقتاً أضحى دائم المفعول، وهكذا حذت بقيّة الدول إلى تحديد قيمة عملاتها بوسائل أخرى بعيدة عن معيار الذهب!
أمّا الأسئلة التي لا أجدُ لها أجوبة:
• إذا لم تكن توجد قيمة محددة كامنة وراء الورقة النقديّة، فَلِمَ هذا التفاوت بين ورقةٍ وأخرى حسب البلد المُصْدر لها؟
• من هي تلك القوّة التي تُقرّر قيمة الوحدة الورقية وتقرّر رفعها في يوم معيّن وتخفيضها في يومٍ آخر؟
• للتغلّب على ما طرأ من أزمات اقتصادية خلال جائحة الكورونا، أثبتت الوقائع ان بلداناً متعددة أغرقت الأسواق المالية بمليارات من إصدارات ورقية نقديّة جديدة دون أن يؤثّر ذلك سلباً على قيمة عملتها! فهل هذا مقبول؟
• وإذ إن التداول النقدي الحديث في التحويلات يتمّ عبر نيويورك دون غيرها وكلّ شيء يقاسُ بدولارها فقط، فهل يُعقل أن تحكم العالم عملة واحدة قيمتها وهميّة؟
• هل من المسموح به أن نجد بلدانا أصبحت عملاتها لا تساوي قيمة الورق الذي تطبع عليه وتعاني شعوبها من الجوع بينما نرى بلداناً أخرى تتملّكها التخمة وثرواتها تنمو إلى ما لا نهاية؟