بقلم: شريف رفعت
الأسرة مجتمعة للاحتفال بعيد ميلادي، أبنائي الثلاثة و زوجتي، ابني الأكبر حضر و معه زوجته و وليده الصغير، المنزل مليء بالابتسامات و المشاعر الدافئة، أتقبل أنا مظاهر الاحتفال بالابتسام و التقدير المؤدبين، فأنا غير متحمس لهذه المناسبة، في الواقع أنا غير متحمس لأي شيء، لكني أقدر هذه المشاعر الطيبة، يحضرون كعكة عيد الميلاد، يضعون فيها شموع تشير إلى سنوات عمري الثمانية و الستين، يطفئون الأنوار و يقيدون الشموع و يغنون، أغني معهم ثم أقوم بإطفاء الشموع و أنا أعلق تعليق مرح على تقدمي في العمر، تقطع زوجتي كعكة عيد الميلاد و توزعها علينا، نأكل و نحن نتبادل حديث أسري تقليدي.
وسط الحديث أشرد بأفكاري، أسأل نفسي سؤال غريب “هل يفهمني من حولي؟ هل يفهمون فعلا حقيقة مشاعري؟”، زوجتي و أبنائي و أصدقائي العديدون و الذي أنا محظوظ بوجودهم حولي و بصداقاتهم لي هل يفهمونني؟ هل يفهمون دقائق مشاعري و أحاسيسي، آمالي و احباطاتي، نقاط ضعفي و عوامل قوتي إذا كان هناك أي منها، تطلعاتي الطموحة و قدراتي البائسة، مثالياتي الحالمة و واقعي العاجز، رغبتي غير المحدودة في العطاء و فقري لما يمكنني عطاءه. شعور غلاب بأن لا أحد منهم يفهمني، هل هذا قصور منهم أم عجز مني؟عجز عن التواصل و التعبير عن مكنون نفسي.
و كأن هذا السؤال السفسطائي ليس كافيا و بينما الأسرة تتسامر سعيدة لاهية، سألت نفسي سؤال آخر، “هل أنا نفسي أفهم حقيقة مشاعري كي أطالب غيري بفهمها؟ و إذا كنت أفهمها ما أهمية فهمها طالما أنا عاجز عن تغيير السلبي من هذه المشاعر و الأحاسيس؟”.
وجدت أنه ليس من اللياقة أن أظل صامتا مع أفكاري السخيفة في عيد ميلادي بينما الآخرون يحتفلون به و بي وسط فيض من المشاعر الطيبة، سألت زوجة ابني “أين آدم؟”، أجابت “نائما على الفراش في حجرة النوم”، استأذنت من الأسرة و قمت متوجها لحجرة النوم، سألتها و أنا أغادر الجلسة “آدم تجاوز عمره الشهرين؟”، أجابت “بالضبط ثمانية و ستون يوما”، وجدتها مصادفة طريفة، عمره ثمانية و ستون يوما في عيد ميلادي الثامن و الستين، سنة من عمري لكل يوم من عمره.
دخلت حجرة النوم، آدم مستغرق في النوم يتنفس بهدوء و انتظام، قمة في السكينة و السلام، ملامحه دقيقة جميلة، وضعت إصبعي الصغير على أصابع يده الصغيرة المضمومة، فتح كفه و قبض على إصبعي، ثم فتح عينيه ببطء، عيناه واسعتان جميلتان متفهمتان، نظر لي و على شفتيه ابتسامة تشجيع رقيقة ثم أخبرني “هون عليك يا جدي، خذ الأمور ببساطة، تأكد اني أفهمك، أنا أفهمك تماما”.
قرر القدر أن له زيارة أخرى قريبة لهذه الأسرة.