بقلم: تيماء الجيوش
مضى عام منذ أن تابع معظمنا أعمال الشغب التي قام بها مؤيدو ترامب و التخريب الذي أحدثوه في البيت الأبيض احتجاجا على نتائج الانتخابات الأمريكية للعام ٢٠٢٠و بطريقة تخالف الأعراف السياسية و القانونية و النظام الانتخابي في بلدٍ يعتزُ بتقاليده الديمقراطية. و لا يختلف أثنان أن الدستور الأمريكي في أحد أبعاده هو وثيقة إنسانية فريدة تمّت صياغتها في مرحلةٍ تاريخية متقدمةً فيها على العديد من بلدانٍ و مجتمعاتٍ في العالم.
ليز تشيني تُعرّف نفسها بأنها من المحافظين الجدد ، تؤمن بالقيم و تدعو الى تعزيز الامن القومي ، دعم الجيش الأمريكي، الحكومة غير الموسّعة، و الاهتمام بالاقتصاد ،ولها تأييد لسياسة محافظة في السياسة الخارجية ، المالية والاجتماعية. تمّ انتخابها كعضوٍ في الكونغرس الأمريكي في العام ٢٠١٦. خلال عملها التشريعي لم تكن مواقفها لتختلف عما عرّفت نفسها به ، فهي من المحافظين الجدد و عملياً هي من زعماء الحزب الجمهوري. قُدِّرَ لها دفاعها عن فاوشي و قرارته في ظل وباء كورونا. و خلال إدارة دونالد ترامب انتقدت سياسته الخارجية و بذات الوقت و بخطٍ موازٍ حافظت على الخطوط العريضة لما تؤمن به عملاً و تصويتاً و انتخاباً . ترتب على مواقفها من تأييدٍ تشريعي لعزل ترامب إلى أن تُعزل هي من مركزها القيادي في الحزب الجمهوري. وعندما أثارت أمر التحقيق الجنائي و مسؤولية ترامب الجزائية لحضّهِ على العنف تلّقت تهديداتٍ بالموت. لاحقاً لمرحلة ما بعد الشغب شُكِّلتْ لجنة مهمتها التحقيق في أحداث السادس من يناير/ كانون الثاني ٢٠٢١. و نُصِّبتْ تشيني نائباً لرئيس هذه اللجنة. ألقت كلمة في بدء انعقاد اللجنة بتأكيدها على أن الشعب يستحق سماع الشهادات كاملة عما حدث ، وأن عدم تحمل المسؤولية من قبل من أثار هذا العنف سيكون كالمرض الخبيث في بلدٍ دستوري. بل و سيقوض الانتقال السلمي للسلطة في النظام الديمقراطي و سيهدد بمزيدٍ من العنف و يكون سابقةً قد تُكرر عند كل انتخاب. بالرغم من اختلافها سياسياً مع نواب الحزب الديمقراطي سواء في اللجنة او في مجلس النواب إلا أنها رددت القول بأنهم في النهاية أمة واحدة وأن الدستور قد نبّه الى الاستقطاب و الحزبية في السياسة طالما كان هناك جدلاً يومياً مستمراً على ضفاف المسائل السياسية المتعددة مما قد يُبعد البعض عن احترام دور القانون و الحريات الفردية لهذا كان القسم في جوهره التزاماً وواجباً في حماية الدستور و الدفاع عنه. في تصريحٍ أخر لها عن أحداث مجلس النواب في ٢٠٢٠ قالت : «رئيس الولايات المتحدة شكّل هذه العصابة و جمعها ثم أشعل فتيل الهجوم. وكل ما تبع ذلك كان من عمله. لم يكن من هذا ليحدث بدون الرئيس. و الرئيس كان بإمكانه مباشرةً و بقوة التدخل ليمنع العنف . لكنه لم يفعل. ليس هناك أعظم من مثل هذه الخيانة المرتكبة من رئيس الولايات المتحدة ضد مكتبه و قسمه الدستوري».
بالرغم من الظروف الدقيقة و صعوبتها كانت كإمرأةٍ منُتخبة تقوم بأداء واجبها و كما يُمليه عليها قسمها الدستوري. و هذا الأمر الأخير تحديداً يعني عدم الانصياع للأستقطابات السياسية او الحزبية والدفاع عن الديمقراطية و محاولات تقويضها . التمسك بالقانون و المبادئ الأساسية التي تحمي الحريات و الديمقراطية. القانون الدستوري هو القانون الأساسي في أي بلد و هو القانون الذي يتقدم عما عداه من القوانين و يُشّكل ضابطاً لها. و كل ما تأتي به القوانين الاخرى و تخرق به المبادئ الدستوري يُعتبرُ ملغياً و غير ذي أثرٍ قانوني. الدستور هو الذي يرسم كيفية حكم البلد و القواعد و المبادئ التي تسير عليه الحكومات ما تفعله و ما يجب عليها ألا تفعله. يؤكد الحريات و الحقوق الفردية و يحميها. كما أن الدستور يؤسس لثلاثة سلطات الأولى السلطة التشريعية التي تسّنْ القوانين و الثانية تنفيذية تعمل على تطبيق هذه القوانين و الثالثة قضائية. و الدستور بطبيعة الحال قابل للتغيير في بلدانٍ معينة ، غير أنه ثابت
في بلدانٍ أخرى خشية شبهة الفساد و استخدام التغيير من قبل الحكومة ولأهدافٍ سياسية ضيقة بما يفيد مصالحها الآنية و يقفز فوق المبادئ و القواعد الدستورية. مثلاً مراقبة الأفراد و اتصالاتهم و خرق خصوصياتهم أو صدور قانون يمنع تأسيس مجلاتٍ، كتب، أو دوريات بهدف قمع حرية الرأي و استلاب الآراء المعارضة أو غير المؤيدة.
ليز تشيني أعلنت موقفاً واضحاً لا غبار عليه بأنها جمهورية محافظة و أن احترام دور القانون هو في صلب مبدأها الحزبي ، وأن الدفاع عن الدستور و حمايته يعني بالدرجة الأولى حماية الحريات . اعتدّت تشيني بدعمها لنتائج الانتخابات ووصول بايدن إلى سدَّة الرئاسة في العام ٢٠٢٠ و أن عدم الأخذ بما آلت إليه هذه الانتخابات من قبل ترامب و مؤيديه و مهاجمتها و مهاجمة الكونغرس هو خرق دستوري، و أن تقويض النظام الديمقراطي بإثارة الشكوك حوله و عدم جدواه هو دعوة مفتوحة لمزيدٍ من العنف في المجتمع الأمريكي.. و لم تتردد بالقول أن من لا يأخذ بما قررته المحاكم هو في حربٍ مع الدستور. تشيني رأت أن ما تقوم به هو واجب عليها و هو ما يمليه قسمها بحماية الديمقراطية و هذا لا يعني سياسة او تحزباً. رفضت الصمت أو الانعزال أو الاشتراك في الحط من شأن ديمقراطية دستورية دفع الكثير دمائهم من اجل بنائها عبر منعرجاتٍ تاريخية و حربٍ أهليةٍ نازفة. هي إمرأة أخذت على عاتقها أن تقف الى جانب الحقيقة و تدافع عن مبادئ دستورية ديمقراطية. ليز تشيني أصبحت مثالاً لما يمكن أن تكون عليه المرأة في مركز صنع القرار. كيف يمكن أن تساند الدستور و دور القانون بعيداً عن الاستقطاب السياسي بل العمل على تعزيز النظام الديمقراطي و شرائطه و آلياته بما يخدم الأفراد جميعاً و يصون حرياتهم . هو حقاً موقف أخلاقي قبل أن يكون سياسي. ليز تشيني إمرأة شجاعة في زمن الشعبوية.