بقلم: علي ابودشيش
أحرز المصريون تقدماً هائلا في تطوير الطب، سواء في تشخيص الأمراض او علاجها واليهم يرجع الفضل في الوصول بالعلاج إلى مستوي لم يبلغه أحد، ولدينا الكثير من البرديات الطبية الموجودة في المتاحف العالمية التي تثبت ذلك مثل بردية “إدوين سميث” وهيرست وإبيرس وغيرها.
والتاريخ المصري القديم ملئ بالشخصيات الهامة التي أنجزت في مجال الطب والكيمياء والهندسة وغيرها من العلوم.
اليوم نتحدث عن واحدة من الشخصيات التي تأثر بها تاريخ الطب في العالم .. المهندس العبقري “ايمحتب”، وهو واحد من عباقرة الطب في مصر القديمة وكلمة “ايمحتب “ معناها باللغة المصرية القديمة “الذي يأتي في سلام”.
ولد في اليوم السادس عشر من شهر أبيب وهو الاسم المصري للشهر الثالث من فصل “شمو” وهو فصل الحصاد ولم يحدد تلك السنة التي ولد بها، وعاش في عنخ تاوي ومعناها “حياه الارضين” وهي أحدي ضواحي منف بالجيزة.
وينحدر إيمحتب من أب بارز يدعي “ كا نفر” وأم تدعي “خردو عنخ”، وكان إيمحتب متعدد المواهب راسخ المعرفة من طراز عبقرية أرسطو الذي كان يجمع بين مختلف فروع المعرفة.
أنشطة إيمحتب المتعددة والتي عرفت من ألقابه التي وجدت على الآثار المصرية وهي: “وزير، مهندس، كبير الكهنة المرتلين ومعناها الذين يقيمون الشعائر، فكان حكيم وكاتب وفلكي وطبيب، وساحر، كبير القضاة، المشرف على سجلات الملك، حامل الختم الملكي، رئيس كل اعمال الملك، والمشرف على كل شيء في البلاد”.
قصة المجاعة ودور إيمحتب كوزير
وفى عهد إيمحتب حدث حادث هام جداً ما يعرف بـ “السنوات العجاف” وهذه القصة تصف المجاعة الشديدة التي أصابت مصر بسبب قصور النيل لمدة سبع سنوات متتالية وبناء علي ذلك حدث جفاف وعدم ري للأرض وكانت النتيجة مجاعة أصابت مصر وطلب الملك زوسر من إيمحتب وزيره في ذلك الوقت أن يدله على المكان الذي يولد فيه النيل والإله الذي يتحكم في ذلك ودله الوزير إيمحتب على ذلك المكان في النوبة.
وذهب الملك إلى معبد الإله “خنوم” وقدم إليه القرابين والصلوات ويسترضيه بالمعطيات ثم استجاب الإله “خنوم” للملك فظهر له في الحلم ووعده بأن النيل سوف يرتفع ولن يهبط مره أخري وقال له الإله خنوم رب الفيضان: “سوف ينشر النيل مياهه ويغطي كل الأرض حتى الإرضاء، وسوف تنتهي المجاعة ولن تعد صوامع الغلال خالية مره أخري”.
إيمحتب المهندس
كان إيمحتب رئيس كل أعمال الملك لمصر العليا والسفلي وورث خبرته من ابيه “كا نفر”، وصمم إيمحتب أقدم بناء حجري في التاريخ وهو هرم الملك زوسر بسقارة الذي يدل على التميز في البناء والهندسة الفذة، وكان هذا الهرم بمثابة خطوة انتقالية بين مقابر المصطبة التي كان يستخدمها الملوك السابقون والهرم الكامل الذي يوجد في الأسرة الرابعة مثل هرم” خوفو وخفرع ومنكاورع”.
ويدل الهرم على مستوي عال من المدنية، و أن هناك ثراء كبير في خزانه الملك، فضلا عن استقرار أوضاع البلاد بفضل ذلك الوزير والمهندس البارع.
إيمحتب الحكيم والكاتب
أشتهر إيمحتب بأنه واحد من أعظم الحكماء المصريين وقد تركت شهرته بالحكمة انطباعا لدي مواطنيه ظل حيا في أذهانهم كتراث وطني لعده قرون.
وفيما يتعلق بنشاطه التأليفي فأنه وضع كتباَ في الطب والهندسة وظلت مؤلفاته موجودة حتى فجر العصر المسيحي. وألف أغاني كانت تغنى بواسطة منشد للترويح عن الضيوف في الاحتفالات الجنائزية والهدف هو التذكير على ان الحياة قصيرة.
ومن أجمل ما كتب إيمحتب: “ أجساد تذهب وأخري تجئ، هكذا الحال منذ زمن الأجداد، منذ زمن الآلهة الغابرة، الذين يستقرون في أهراماتهم والنبلاء والعظماء والذين رحلوا ودفنوا في مقابرهم .. فارتد الكتان الرقيق واسعد بالمتع الحقيقية التي منحتها الآلهة.
إيمحتب الفلكي
اشتهر عن إيمحتب ارتباطه بالإله تحوت رب العلم والمعرفة وهو شعار جامعة القاهرة الآن، وكان معروف عن الإله تحوت معرفته القوية بعلوم الفلك مما أدي لمعرفه موعد الفيضان ومراقبة النجوم والشمس والقمر وطول السنة النجمية، ومن مراقبة النجوم عرف المصريين أن المدار البيضاوي لنجم الشعري يعطيهم سنه محددة بشرط أضافه ربع يوم ومن هنا جاء التقويم الذي يسير عليه العالم حتى الآن.
إيمحتب الطبيب الساحر
كان السحر والطب مرتبطين ببعض ارتباطا وثيقا في أيام الفراعنة فالسحر هو أبو الطب، وكان فعل السحر يمتد إلى كل شؤون الحياة اليومية كما انه يلبى كل احتياجات المتوفي، فالسحر يمكن أن يزيل أثر الشر.
وبالرغم أن المصادر المصرية القديمة ذكرت أن إيمحتب كان ساحر بارزا إلا أن الطب كان شغفه الأكبر، ولمهارته وعبقريته في الطب كان طبيب الملك وبعد ما توفي إيمحتب جعلوه الفراعنة إله للطب