بقلم: كلودين كرمة
نعم الانسان مسير وليس مخير كما اخبرونا ونحن صغار ..فان الاختيار فى حياتنا وهم ، اننا نظن اننا احرار ولكن فى حقيقة الامر كلنا عبيد!
اننا نسرع فى تلبية رغباتنا التى تفرضها علينا غرائزنا والتى فى كثير من الاحيان تتنافى مع المنطق وفى هذه الحالة امامنا ثلاثة اختيارات ان نطيع رغباتنا او نستسلم للتفكير السليم ونتبع توجيهاته ام نحاول فى دهاء ان نجد مبرر منطقى لرغباتنا حتى تتوازن الامور ونشعر بالسعادة فى التوفيق بين الرغبة والعقل والتى فى معظم الاحيان يعارض احدهما الاخر ونقع فى حيرة بينهما ويصبح الصراع بين ثلاثة: الشخص ذاته ورغبته وعقله؛ ولذا فإن الحل الاخير هو المصدر الوحيد حتى نوهم انفسنا ان تفكيرنا يوافق رغباتنا فنشعر بالانتصار على الصراع الداخلى ولكن هذا هو الوهم بعينه ، لان هذا السلوك لا يحقق لنا الاستقرار النفسى او السلام الدخلى وكأننا ننافق انفسنا بمحاولة تقنين رغبة او ازاحة فكرة او اسكات صوت بأعماقنا يزعجنا سماعه وهو الضمير..
ما اريد قوله اننا فى كل الاحوال مسيرين وليس مخيرين.
كما اننا نخضع فى كثير من الاحيان الى مقاييس محددة حيث نريد ان نرى انفسنا فى اطار معين رغم ان تكويننا الداخلى لا يدعم هذا التغير فنجبر انفسنا على التغير لتلك الصورة.. وذلك ايضا نوجد فيه مسيرين!
وأمامنا العديد من الامثلة فى حياتنا اليومية ونمازج متعددة فنرى ان شخصا ما يعمل فى وظيفة معينة لان دخلها كبير وفى حقيقة الامر هو لا يرغب بها ويمكن ان لا تكون فى تخصصه ولكن ظروف الحياة تفرض عليه قبولها ..نعم هو قبلها بإرادته حتى يستطيع ان يحيا حياة كريمة ولكن فى نفس الوقت ليست هذه رغبته التى تشبع احتياجه الحقيقى بتحقيق نجاحه فى المضمار الذى كان يبتغيه..فإن هذا هو الاختيار “المفروض عليه “!
وهذا هو سبب العبوس والأشجان والأمراض النفسية فهو ليس سعيدا راضيا عن اى حال ؛ فان الانسان دائما يتحاور مع ذاته وكأن هناك شخصان يتحديان بعضهما ويتنافسان ويحاول احداهما اقناع الاخر وان لم ينجح فانه يخضعه رغما عنه والإنسان مسكين ، لا يستطيع ان يرفض ولا يقدر ان يقبل..فيجد نفسه ، تحت ضغط مستمر ، يساق الى رأى الاغلبية او لما فيه المصلحة العامة او لما تحتمه عليه مسؤولياته.
فمثلا طفلا موهوبا ويريد ان ينمى موهبته عزف او غناء او موسيقى الى آخره ولكن اهله يرفضون بحجة انها سوف تشغله عن دراسته وتفوقه او بسبب عدم توافر الامكانيات المادية ، والى غير ذلك من المعوقات فتكون النتيجة انه يحرم من تحقيق آماله .ففى ذلك ايضا الانسان مسير !
فضلا عن ذلك ، ومن الامثلة المتكررة ان الانسان احيانا يختار بكامل ارادته الى تغيير البعض من طباعه – رغما عنه – حتي يستطيع الاستمرار فى علاقة سبق ان اختارها – بإرادته – ايضا.. اعتقاداً منه انه هو الذى اختار هذا بحريته بعد تفكير عميق ومنطقى ولكن فى الحقيقة انه عن اضطرار لأنه لا يستطيع التراجع ولا يقوى على الاستمرار..فيلجأ الى تبديل صفاته وتغيير ملامح شخصيته ويسجن مشاعره ويتحفظ فى كلامه ولا يفصح عن افكاره حتى يتفادى التصادم الذى من شأنه ان يهدم الماضى ومعه الحاضر والمستقبل أيضا.. فانه بإرادته يسجن نفسه .. فاين حريته اذا…عجبا فالإنسان كائن ذو تركيبة معقدة ، يتمتع بالجمع بين الاضداد ثم بدعى بساطته وقلة حيلته بل وسذاجته؛ مع انه يتبع اساليب ملتوية كثيرة حتى يقنن الخطأ ويجد مبررا مقنعا لردود افعاله وأسبابا ملفقة لتبرئة نفسه امام اعين المحيطين به ..يا له من كائن ماكرا مدعيا ويتقن التمثيل؛ يوهم نفسه قبل الاخرين انه سعيد ومستقر بل و انه يحيا حياة مثالية ويتمتع بكامل حريته فى اتخاذ قرارته وترتيب اولويته ولكن فى داخله الم ومرارة ويشعر بالقهر والانكسار امام الكثير من المسؤوليات الملقاة على عاتقه وأحيانا بالضعف وعدم الثقة اذ لم يستطع ان يظهر نفسه بالمظهر اللائق ويحظى بالتقدير والاحترام من الاهل والجيران والرؤساء والأصدقاء.
حتى اذا تطرقنا الى مستوى المشاعر فإننا نجد انفسنا اننا لا نتصرف على سجيتنا وخصوصا اذ ما اردنا ان نعبر عن مشاعرنا الصادقة تجاه شخص ما او عن رأينا بصراحة ووضوح و حسب ما نريد سواء بالإيجاب او بالسلب ،فنجد الكثير من الضوابط التى تمنعنا، وبإرادتنا والتى هى فى نفس الوقت عكس رغبتنا الاولى ، نمتنع عن ذلك لأسباب صحيحة ومنطقية ، حتى نحمى انفسنا من التعرض للكثير من العواقب الوخيمة.فحتى قراراتنا المصيرية تتحكم بها مشاعر مضطربة وأفكار متضاربة.
ويظل الانسان يبدل فى الاقنعة حتى يتوه عن نفسه ويفقد مصداقيته ولا يصبح قادرا على الفصل بين الحق والباطل ولا حتى على الاختيار المناسب فيكون كثير الشك، متذبذب الرأى ، وغير مستقر فينعكس ذلك على المحيطين به فيعجزون عن فهمه والتفاعل معه ومن هنا تفتر العلاقات او تنشب الخلافات فتضعف الروابط الاسرية والإجتماعية.
ومن هذا المنطلق يمكننا ان نقول فى ايجاز ان الانسان ضعيف رغم قوته ،جاهل رغم علمه مسكين رغم سطوته ، قلق رغم ثباته ، منزعج رغم هدوءه ، تعيس رغم ضحكاته التى يدوى صداها الاجواء من حوله ..فحتى الضحك اصبح مجرد فكرة فارغة من محتواها ، اصبح وسيلة من وسائل التجميل تخفى ورائها الكثير من القبح والأحزان.
فإننا نعانى من الكبت والقهر على جميع المستويات السياسية والاجتماعية فكيف لنا ان نبدع ونسعد ونرتقى ونصبح مجتمع بمعناه الواسع والشامل حر و متوازن ومستقر يسوده العدل والآمان..؟؟