بقلم: عادل عطية
يعيش المرء عمره كله تلميذاً للعقل، الذي يعطيه هويّته المعرفية الكونية؛ لذلك فهو شغوف بأن يضفي صفة: المنطق، والمفهومية، والذكاء على تصرفاته.
لكن الذكاء لا يخلق العالم العظيم، بل الأخلاق هي التي تصنعه. وبالأخلاق النبيلة والخلاقة، نستطيع اكتشاف حقيقة عقلنا، وما يدور فيه: هل هو عقل منافق سودته المشاعر الدنيا، فيتحدث إليك بما تريد أن تسمعه منه، ومخادع يؤدي بك في متاهات عالم الأحلام، ويكرر ذلك كل ليلة، وفي النهار يواصل عمله في الخيالات، وفي أحلام اليقظة، ويسخر منك؟..
هل هو عقل مستبد، لا يزال يُقر بالرق، والملكية المستبدة، والخزعبلات، ويجعل البشر يهتفون للطغاة، ويناصرون المذابح، والإبادة في الحروب؟..
هل هو واقع تحت تأثير معلمين كذابين ومغرضين، يستعبدون أنفسهم والبشر، بحروف مكتوبة بإصرار ألا تعيد التفكير في معانيها أو سياقها، حتى تظل أنت وغيرك، تحت مظلة الطاعة العمياء، منتظرين التوجيهات من قادة معينين، وإلا فلا حركة، ولا حراك؟..
هل هو ممن يجذبهم إغراء العدد، ويعتقد أن نجاح عقيدة ما يعتمد على كثرة العدد والأغلبية، مع أن الكثرة تؤيد الخطأ، كما تؤيد الصواب؟..
هل تقيده مشاعر الرعب من الإرهاب وزبانيته، والقائلين بحد الردة، عن الوصول، عن يقين، إلى الاعتقاد بصحة ما وصل إليه؟..
هل يتمتع بالحرية الكاملة، التي هي أساس البحث والتعبير والوصول إلى الحقيقة، وإلا فكيف يمكن أن يحصحص الحق، ما لم تسلط عليه سهام النقد؟..
هل يعتقد أن أفكاره لن يأتي عليها الوقت، الذي فيه تصبح نظير الأفكار التي كانت تنادي بأن كرة الأرض تستقر على قرني ثور هائل، ونظير الأفكار التي اعتنقها أصحابها وقتاً ما، ودافعوا عنها بالنفس والنفيس، وربما بذلوا دماءهم في سبيلها، لكن الأيام أثبتت بعد ذلك، أنهم كانوا على خطأ؟..
إن العقل المستنير بنور خالقه، والذي هو في توافق معه، لا بد وان يؤكد لنا، بقوة وسلطان إلهي، عن مدى شجاعته، وصدقه، وإخلاصه، وامانته، وقدرته على التمييز بين الحق والباطل، وبين الخطأ والصواب، والغث والثمين!…