بدأ الناخبون في البوسنة والهرسك الأحد التصويت لاختيار أعضاء مجلس ثلاثي يدير البلد البلقاني الفقير الّذي تمزقه صراعات اتنية أشعلت نزاعات دامية خلال تسعينات القرن الماضي.
ولا يزال البلد الواقع في جنوب اوروبا بمثابة فسيفساء بين عناصره الثلاثة الرئيسية، فالسلطة مقسمة رسميا بين المجموعات الاتنية الثلاث الرئيسية، البوسنيون المسلمون والصرب والكروات.
وفيما تواجه البلاد قائمة طويلة من الأزمات الاقتصادية، يقول العديد من الناخبين أنهم فقدوا الثقة في طبقة سياسية يتهمونها بإثارة الخوف والنعرات القومية للبقاء في السلطة.
وقال رجل الاعمال ارمين بوكاريك البالغ 45 عاما “اعتقد أنّ القوميين سيفوزون مرة اخرى ولن يتغير شيء”، مرددا وجهة نظر تسود شوارع العاصمة سراييفو.
والنظام السياسي المعقد في البلد الساحلي المطل على البحر الأدرياتيكي ناتج عن تسوية الصراع الدامي بين المسلمين والصرب والكروات بين عامي 1992 و1995.
وخلّف القتال الدامي 100 ألف قتيل وشرد الملايين ودمر اقتصاد البلاد وبنيتها التحتية.
وبعد ربع قرن من نشوب النزاع، لا تزال السلطة في البوسنة تدار بموجب اتفاق السلام الذي أنهى الحرب وقسّم البلاد إلى نصفين شبه مستقلين، احدهما يهيمن عليه الصربي والأخر بمثابة وطن للمسلمين والأقلية الكرواتية.
وقسّم اتفاق دايتون للسلام الموقع في كانون الأول/ديسمبر 1995 البلاد لمراكز قوى متنافسة مرتبطة بحكومة وطنية ضعيفة. وعلى رأس البلاد مجلس رئاسي من ثلاثة مقاعد يتناوب على رئاسته العضو الصربي والمسلم والكرواتي.
ويطرح أحد المرشحين الرئيسيين للمقعد الصربي زعيم تحالف الديموقراطيين الاشتراكيين المستقلين ميلوراد دوديتش وهو قيادي قومي موالٍ لروسيا باستمرار فكرة إجراء تصويت على انفصال نصف البلد الذي يهيمن عليه الصرب.
ويتولى دوديتش قيادة الكيان الصربي منذ العام 2006 وهو نادرا ما يظهر في العاصمة البوسنية سراييفو التي يصفها بأنها “أرض أجنبية” معادية.
وفي حال فوزه في اقتراع الأحد، سيبقى دوديتش، الذي فرضت الولايات المتحدة بحقه عقوبات بسبب تهديده سلامة البلاد، في مقدمة السياسة في البوسنة.
وقد تؤدي أيضا لشراكة سياسية بينه وبين العضو الكرواتي الحالي في المجلس الرئاسي دراغان كوفيتش، الذي يدعو بالمثل إلى تقسيم اتني أعمل للبلاد.
ويرغب حزب الاتحاد الديمقراطي الكرواتي اليميني بقيادة كوفيتش في إنشاء كيان ثالث مخصص بشكل حصري للكروات الذين يعيشون حالياً في منطقة غالبيتها الساحقة من البوسنيين المسلمين.
وقالت المحللة السياسية تانيا توبيتش إن الغرض من هذه السياسات “القومية العرقية” هو “الحفاظ على الوضع الراهن والركود” الذي يساعد في إبقاء هؤلاء القادة في السلطة.
وتسود حالة من الملل بين السكان البالغ عددهم 3,5 ملايين نسمة.
وقالت بائعة الكتب دانيكا اودوفيتش البالغة 47 عاما خارج مركز اقتراع في بانيا لوكا عاصمة جمهورية سربسكا “ليس هناك حزب سياسي يلبي توقعاتي كمواطنة”.
وتابعت أنها ستصوّت من أجل “التغيير … وليس لأني اعتقد ان الآخرين أفضل”.
وقال ناخب فضّل عدم ذكر اسمه إنه سيصوّت لدوديتش من اجل “حماية جمهورية سربسكا فقط”.
ويقول خبراء إن البنية السياسية في البوسنة تساعد على الفساد بشكل واسع.
وتصف منظمة الشفافية الدولية الفساد كأزمة خطيرة “على كافة مستويات الحكومة” في البوسنة.
وفي الانتخابات المحلية في العام 2016، رصدت المنظمة تقديم الأحزاب وعودا بتوفير فرص عمل في مقابل تصويت الناخبين لها.
وتسود ثقافة المحسوبية في البلاد، وهي أحد العوامل التي تزيد من معدلات الهجرة المتزايدة في السنين الاخيرة، وهو نهج يطيل أمد الأزمات الاقتصادية.
وتزيد الاوضاع الاقتصادية المتدنية من دوافع الشباب للرحيل عن بلادهم، إذ يقّل متوسط الأجور عن 430 يورو (495 دولارا) في الشهر، فيما يبلغ معدل البطالة حوالي 20 بالمئة من عدد السكان.
وقال المحلل زوران كريسيتش “معظم الشبان يرون مستقبلهم خارج البوسنة”.