بقلم : سوسن شمعون
في توثيق التاريخ و الوقائع المنصرمة مسؤولية كبيرة تقع على عاتق من يقومون بهذه الأعمال من مؤرخين و صحفيين و كتاب و حتى إعلاميين. لكن يجب أن ﻻ نغفل عن أساليب الخداع التي يبتكرها البعض لتشويه أو تزوير الحقائق لغايات فئوية أو عرقية . فالوقائع ليست بحقيقتها هي ما ترسل لنا عبر وسائل الإعلام المختلفة أو ما نقرأه في الكتب المدرسية أو غيرها ففيها من التزييف ما يغير مسار الحدث و مفهومه لدى المتلقي . فكلنا يعرف أن الحاضر و المستقبل مبنيان على قاعدة تاريخية عميقة في القدم و الاثر .وفي نفس الوقت إن كنا نؤمن مثلا بالحضارة العربية و التي إنبثقت من حضارات سابقة و صانعة لنشأتها فإننا بﻻ ريب نذكر دور تلك الحضارة العربية في إثراء التراث الإنساني و نهوض حضارات عالمية كان الإرث العربي بمثابة الخلية الاولى لتكونها و نشوئها . وكما أن لحضارتنا العربية إمتداد موغل في التاريخ و تأثير و تأثر بحضارات العالم القديم كذلك أتى الاسﻻم لينهل من فيض تلك الحضارة صفوة الأفكار و نبل المعتقد و أعطاها مكارم الأخلاق و رفعة المكانة و سيادة الدنيا آنذاك . فكان للإسﻻم الدور الأبرز في نقل و توسع و إزدهار الثقافة العربية على مر سني العز و التألق العربي. و الآن إن ما يحدث من محاوﻻت لطمس معالم حضارتنا العربية و التي إرتبطت بالاسﻻم إنما هو دليل على أن هذه الحضارة فعلت فعلها المؤثر في ترسيخ و تثبيت قوائم و أساسات لحضارات آتية أبصرت النور من بﻻد فارس حتى الأندلس و حدود بﻻد الغال و غيرها الكثير . ولكن ما يمكن أن نسميه غيرة و ضغينة و خوف من نهوض مارد عربي إسﻻمي يبسط سيطرته بأفكاره و أفعاله على العالم الحديث جعل بعض أبناء الثقافات الأخرى أو المنتسبين لها يحاولون إلغاء دور حضارتنا و نموها المستمر عبر التاريخ و ذلك من خﻻل التحريف و التزوير و إدخال أباطيل(إسرائيليات) في قصص ترقي و تطور تلك الحضارة و كذلك ما نتج عنه الغزو الثقافي لعقول أبنائنا و فكرهم . ومن هنا تبدأ مهمة التأريخ لمجريات الأحداث و مدى مصداقية كتابها و من يتناقلها و يروج لها . فالحرب الاعﻻمية والثقافية ضد تراثنا تتمثل في نقل صورة بدائية و جاهلية لما كنا نحن عليه . و بهذا يعطون الذرائع ﻹتباع أساليب و أفعال و أفكار بعيدة عن بيئتنا لتقمصها و إتباعها بحجة أنها هي التي تمهد لمستقبل عالمي أكثر سعادة و أمن . و هي تجسيد للتحضر المطلوب مهما كلفت الأثمان . وبالعودة إلى أبنائنا نرى أنهم يتقبلون بسرعة و دون تردد تلك التغيرات والطرق المبتدعة للإنسﻻخ عن هويتهم و قوميتهم أوﻻ و جذورهم و دينهم ثانيا. وهذا يدل على عدم نضج و وعي ذويهم و عدم وجود إشباع ثقافي و روحي و قيمي لديهم . والتاريخ و إن احتوى أكاذيب و أضاليل كثيرة لكنه يعطي و إن بشكل جزئي براهين و و إثباتات على قوة و عظمة واقع كان سائدا يوماً ما . وفي سعينا ﻹدراك حقائق الأمور و تأكيدها أو نفيها نرى جيدا من يريد بقاءنا في جهل أعمى و فقر يلهينا عن تقدمنا و نهوضنا من جديد و أن نبقى متعطشين لمنهل غربي نظنه منبع نور و ثقافة ولكن هو نار تحرقنا في بوتقة إسمها العولمة لإلغاء ثقافات و حضارات و خلق ثقافة واحدة ذات أبعاد محددة بأياد شيطانية الهدف و تكريس حضارة وليدة من رحم الشهوات و المصالح ومهيمنة على غبرها و ذات مفهوم أحادي القطب غامض السريرة يرمي للنزعات الﻻأخﻻقية و الغوغائية و الفوضى مجرداً من أي مثل أو قيم عليا