بقلم: خالد بنيصغي
في سوريا لازال بشار الأسد في السلطة .. وفي مصر السيسي والنجاح مضمون مائة بالمائة في الانتخابات المقبلة ، في البلاد العربية فقط ينجح الزعماء بنسبة تقارب مائة بالمائة ( حب المواطنين ؟؟ ) .. في ليبيا قُتِلَ القدافي ودُفِن ، لكن نظامه عاد من جديد ولازال يدافع عن السلطة .. آه السلطة ثم السلطة ؟؟.. في تونس لازال هناك حكم السلطة في نظامها القديم ، ولا شيء غيرته الثورة ؟؟ في المغرب والجزائر لازال المخزن يحكم ويسرق الثروة ، إنه منطق السلطة .. العراق لم تنهض بسبب الصراع على السلطة ؟؟ واليمن قصتها ستطول وشعبها سيجوع أكثر بسبب الصراع على السلطة ، والخليج يحكم من منطق السلطة ويحمي نفسه بالسلطة ، آه السلطة ثم السلطة ؟؟
الزعماء العرب غالبية لا يهمهم كتابة التاريخ بقدر ما يهمهم الاهتمام بالسلطة حتى الموت ، بينما أسلافهم في كثير من الأحيان تنازلوا عن هذه السلطة من أجل شعوبهم
كي يعيشوا في أمن واطمئنان ، والتاريخ يذكرهم بكل فخر واعتزاز ، ومنهم الحسن بن علي حفيد الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومعاوية بن يزيد ، ثم نسوق مثال من المغرب الأقصى وهو أبو بكر بن عمر اللمتوني: المجاهد الذي تخلى عن السلطة ومات شهيداً في الصحراء
ففي أواسط القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي، ظهرت قوة جديدة في بلاد المغرب وهي الدولة المرابطية الصنهاجية التي استطاعت أن تتمدد بسرعة لتستحوذ على مساحات واسعة من بلاد المغرب والأندلس .
كان الفقيه عبد الله بن ياسين، هو الزعيم والقائد الروحي للمرابطين، فكان بمثابة المرشد الدعوي والديني لهم .
ومع هذا فقد قام بتعيين عدد من القادة الميدانيين لتلك الجماعة الفتية، وراعى في اختياره أن يكون هؤلاء القادة منحدرين من قبيلة لمتونة التي كانت أكبر وأقوى قبائل صنهاجة في هذا الوقت . في 450هـ/ 1058م تقريباً، توفى يحيى بن عمر قائد المرابطين، فقام ابن ياسين بتعيين أبو بكر بن عمر اللمتوني بدلاً منه، وبعد وقت قليل توفي المرشد الروحي للجماعة، لتجتمع القيادة الروحية والزعامة القبلية في شخص أبي بكر، الذي وسع من رقعة توسعاته وسيطر على مناطق جديدة في المغرب الأقصى .
خلال تلك الأحداث المتسارعة، وصلت لمسامع أبي بكر أخبار اقتتال القبائل المسلمة في جنوب المغرب وبلاد مالي وغانا، فعزم على المسير إلى تلك الأنحاء لضبط أمورها، وندب ابن عمه يوسف بن تاشفين ليخلفه على حكم المغرب حتى ينتهي من مهمته .
وبعد بضع سنوات من القتال والجهاد في الجنوب، رجع أبو بكر مرة أخرى إلى عاصمة المرابطين في مراكش، فوجد مُلك يوسف بدعم من زوجته قد عظم واستفحل، كما لمس تثاقل نائبه عن تسليم الحكم له، فعرف أبو بكر بأن ابن عمه لن يتنازل عما في يده من سلطة بسهولة . فآثر أن يتنازل عن الحكم بشكل سلمي دون أن يشعل الحرب بين المرابطين وبعضهم البعض .
وبحسب ما ورد في كتاب الاستقصا في أخبار المغرب الأقصى للشيخ أحمد بن خالد الناصري، فإن قائد المرابطين لما لقي ابن تاشفين عقب رجوعه، خاطبه قائلاً :
“ إني قد وليتك هذا الأمر وإني مسؤول عنه فاتق الله في المسلمين وأعتقني وأعتق نفسك من النار ولا تضيع من أمور رعيتك شيئاً فإنك مسؤول عنه. والله يصلحك ويمدك ويوفقك للعمل الصالح والعدل في رعيتك وهو خليفتي عليك وعليهم “.
ثم انطلق أبو بكر مرة أخرى إلى الصحراء، واستمر في حروبه التوسعية جنوباً، حتى قُتل في إحدى المعارك في 480هـ/1087م .
والتاريخ يذكر كذلك الورع والتقوى التي وصلها السلطان “ يوسف بن تاشفين “ حتى كان بإجماع علماء الإسلام سادس الخلفاء الراشدين ، وهو الشرف الذي حَظِيَ به أول وآخر سلطان حتى الآن ..
نسوق هذا المثال لكل غاية مفيدة لبعض الحكام العرب والمخزن العربي الذي يسوس الرعية إما للحروب أو الظلم أو التجويع … وكل ذلك من أجل السلطة دون أن يسأل أحَدُهم نفسه : لماذا يفضل أن يحكم الرعية على حساب أرواحها وأعراضها وأموالها دون أن يسبب له هذا الأمر أي إزعاج في ضميره ؟؟؟