بقلم: كلودين كرمة
لم أعد تلك الشخصية المحببة الى نفسي التى ارتاح اليها. وكنت اعيش فى سلام معها، وكانت اسعد اوقاتى عندما اخلو إليها وأتحاجج معها واستعرض افكارى وأرتبها واستمتع بالتأمل فى هدوء وابتهج بما انجزته بنجاح واحلل المواقف بهدف اتباع ما هو افضل لى فى يومى التالى.
اما هذه الايام عندما اخلد الى خلوتى فتتنازع بداخلى افكارى وتتزاحم مشاعرى فاشعر بارتباك وينتابنى شعور بالغربة ثم الاسى وأخيرا اشعر بحنين الى نفسي التى يعثر علي العثور عليها وسط هذه المشاحنات التى تفقدنى الهدوء والطمأنينة.
فلم اعد اشعر بالراحة والسكينة ولم اعد اتذوق الجمال فى التعبير عن المشاعر ولم تعد للكلمات الطيبة اى أثر يذكر حتى كلمات المديح لم تعد تسعدنى ولا نظرات التقدير تلفت انتباهى.
يقينا منى ان اغلب هذه المشاعر هى مؤقتة او وليدة اللحظة ثم تتلاشي شيئا فشيئا كالدخان.. فهى كالبريق يظهر سريعا وبنفس السرعة يختفى..
وهناك تفسير واحد لهذه المأساة هو الشعور بالغربة و الوحدة القاتلة رغم التواجد وسط اقرب الاقرباء وأحب الناس الى نفسي.
فهل انا يا ترى اصبحت اطلب الكثير فلم اجد من يعطى بسخاء ؟ او اننى لم اعد ارى سوى نفسي وأتجاهل من حولى وقد اصابتنى الانانية ؟ ام اننى مع تقدم العمر صرت احتاج لدعم معنوى وتأكيد لمشاعر الحب والعرفان او حتى مزيد من الاهتمام ؟ ام المشكلة تكمن فى من هم من حولى فأصبحوا اكثر انشغالا بأمورهم مما سبق ؟ او هل هم ايضا يسعون للبحث عن مزيد من الاهتمام والحب ؟ او يتسابقون مع الايام او لعلهم يتنافسون مع المجهول ويسعون فى طرق كثيرة حتى لا تباغتهم الاحزان او تفاجئهم الاقدار بما يخشون ؟
فان الكل اصبح فى عجلة من امره لا وقت للأفراح ولا وقت ايضا للأحزان! ففى هذه اللحظة نهنئ متفوق او متزوج وبعدها نشارك اخرين فى مشاكلهم وأحزانهم ثم نعود الى بيوتنا تخالطنا تلك المشاعر المتناقضة فنشعر بالحيرة و يصعب علينا ان نستعيد التوازن فنشعر بالإرهاق والآسي لحال الدنيا .
واننى لا ابالغ انه يمكن ان تمر ايام دون ان يتشارك افراد الأسرة إخبارهم او تسنح لهم الفرصة ان يتجاذبوا اطراف الحديث و الاكثر من ذلك انهم لا يرون بعضهم البعض اذا اختلفت مواعيد العمل او كثرت المشاغل والارتباطات !
اننا رغم التطور و رغم ما قدمه لنا العلم من التكنولوجيا والتى هدفها الاول هو الارتقاء وسرعة انجاز العمل ودقته وتوفير الوقت والجهد الا اننا نعانى من ضيق الوقت ولا يكفى يومنا لانجاز اعمالنا..فكيف يتسنى لنا اذا ان نهتم لأمر غيرنا ؟!
و من كل ما سبق يتبين جليا لنا اسباب الحزن الكامن بداخلنا فربما لدينا الكثير ورغم ذلك نشعر بالحرمان ، نشعر وكأننا كالأرض التى اصابها الجفاف و التشقق وكيف لها ان تثمر وهى تفتقد الى ماء الحياة..؟! كيف تزهر وتسعد من يتطلع اليها وهى تعانى من العطش الشديد ، ففاقد الشيء كيف يمنحه ويعطيه.
فهل لنا ان نتخيل معا ما يؤول اليه مستقبلنا اذا تمادينا و استسلمنا لهذا الوضع المؤسف..بالتأكيد سوف نفقد انسانيتنا بما فيها من معان سامية ونتحول بدورنا الى آليات تتحرك وتتجه الى اهدافها لتنجز مهامها وتعود لتستكين حتى يحين ميعاد بدئ عملها فى اليوم التالى.