بقلم: تيماء الجيوش
الحماية القانونية للمرأة في العالم العربي: الحقيقة الُمرّة. الأسرة الدولية و عبر الأمم المتحدة ومثل الأعوام السابقات لاحتفالية اليوم العالمي للمرأة في الثامن من آذار للعام ٢٠٢٤ وضعت عنواناً : « استثمار المرأة يُعجّل التقدم». INVEST IN WOMEN: ACCELERATE PROGRESS. و هذا كان عليه الحال في كندا أيضاً التي اعتمدت ذات العنوان بما يتضمنه من أبعادٍ أهمها دعوى للعمل و التذكير بأن مساواة الجندر هي أهم الطرق فعاليةً لبناء مجتمعات مزدهرة ، مدنية، حداثية وأكثر شمولاً حيث لكل فرد دوراً و مكاناً يحقق فيه إمكاناته كاملةً بحسب ماورد في عدة تصاريح رسمية ووسائل التواصل الاجتماعي.
وبهذا تزداد مساحة الاتساق و الارتباط الوثيق مابين أن يُعجّل التقدم و بين ا لتنمية المستدامة التي أُطلِقتْ أهدافها في العام ٢٠١٥ و أكدت حينها العديد من الدول والحكومات التزامها بهذه الحزمة مجتمعة و تحقيقها في العام ٢٠٣٠ لا سيما أهمها الهدف الخامس في مساواة الجندر و تمكين المرأة و الفتيات . والأمم المتحدة حين تعتمد سنوياً عنواناً مختلفاً ، لا تقف بذلك عند حدود شعار أو عنوان تعتمده لفترة وجيزة تلائم الحدث و تجعله موضوعاً يُشغل الإعلام المواكب له و بما يفيد في تقديمها للأسرة الدولية في صورة المنظمة الفاعلة، بل المسألة هي أعمق من ذلك . الأمم المتحدة تعمل جاهدة عبر تبني العنوان على زيادة الوعي السياسي والاجتماعي بنضالات المرأة على اختلاف الرقعة الجغرافية، السياسية او النظم الاجتماعية. ليس هذا وحسب ، لكنها أيضاً وبذات الزخم تؤكد على تمكين المرأة وأهمية التعاون في هذا الصدد و التقدير لدورها و التراكم الإيجابي لهذا الدور في دفع حثيث نحو مستقبل إنساني مختلف. على أية حال و على تنوع العناوين ، تشهد المجتمعات يوم المرأة العالمي في الثامن من آذار من كل عام ، و هو إن بدأ كحدثٍ سياسي إلا أنه و عبر عقودٍ عدة باتت فيه هذه الاحتفالية على اختلاف المناطق والدول تتراوح بين ما هو رمزي بحت من تقدير و احترام للمرأة، إلى ما هو واقعي و عملي و ما أُنجِزَ سياسياً ، اجتماعياً و اقتصادياً للارتقاء بحقوق المرأة قُدماً، إلى ما هو أرحب حيث يثور نقاشٍ سياسي ، تشريعي، قانوني وفقاً لمعايير حقوق الإنسان و ما ينبغي أن تكون عليه هذه الحقوق. آخذين بعين الاعتبار أن الوقت يمر سريعاً و لا زال موضوع مساواة الجندر هو احد أهم التحديات التي تواجهها حقوق الإنسان ولعل هذا كان حجر الزاوية بان الاستثمار في النساء يعني فائدة لكل المجتمعات على اختلاف أطيافها و يؤدي إلى بناء مجتمعات تشمل ولا تُقصي أحداً.
يأتي يوم المرأة العالمي بأهمية أكثر من ذي قبل في ظل تزايد الاعتداء عليها و على حقوقها ، وتبرز أهمية الحماية القانونية في مواجهة تصاعد عنف غير مسبوق. في كندا نعثر على أساس الحماية و مساواة الجندر في قانون حقوق الإنسان الكندي، في الميثاق الكندي للحقوق والحريات. من بينها المادة الثامنة والعشرين من الميثاق التي ضمنت ان كل الحقوق المُدرجة في الميثاق تُطبق بمساواة مطلقة على الرجال والنساء. كذلك الحال في قانون حقوق الإنسان الكندي CHRA للعام ١٩٧٧ الذي أقرّ بأن لجميع الكنديين الحق في المساواة و الفرص المتساوية دون تمييز قائم على أساس الجنس، الدين ، العرق …. ناهيك عن المستوى الفيدرالي حيث تمّ سنّ عدة قوانين عُنيت بالحماية والمساواة للمرأة يأتي في مقدمتها قانون العمل، قانوني المساواة في الأجور، قانون الميزانية و الجندر…الخ.
في العالم العربي تتأرجح المواد القانونية ما بين صياغة تحتمل التفسير و التأويل ، الضعف العام في التطبيق ، الى انتفاء موادٍ تنص على الحماية وهذا حقيقة واقعة. نجد أثر هذا عن الحماية القانونية بالعودة إلى الدساتير المحلية، المعاهدات الدولية و التصديق عليها، القوانين المحلية المختلفة . في الدساتير الوطنية من حيث المبدأ تختلف الدول العربية و دساتيرها في معالجة موضوع المساواة حيث نجد في البعض من هذه الدول ما تُشير اليه مواد دستورها مباشرة إلى المساواة بين الجنسين ، أو يلجأ البعض الآخر الى الدفع بالإشارات الصريحة أو الضمنية بأن الدستور يراعي النوع الاجتماعي أو الجنس ، وتكون في هذا النموذج درجة واضحة من المحدودية و الضعف في الحماية و مساواة حقوق المرأة ، أما النموذج الأخير تكون الصورة أوضح فيه حيث لا تذكر الدساتير ولا موادها المساواة بين الجنسين ولا تقترب من مسألة التمييز على أساس الجنس ولا تبذل العناية المفترضة بالتشريع و المشرعين في شرح هذا الغياب الحقوقي عن نصٍ هامٍ كالدستور.
لا يختلف الحال كثيراً في القوانين المحلية التي تعجُّ مفرداتها القانونية بتمييزٍ متجذر و مُعيب بحق المرأة العربية والذي ما فتأ النقاش فيه لا يتجاوز حدود جهود لبعض الشراح، الخبراء و المهتمين بالمسألة النسوية دون أن تنتقل ذات الجهود إلى الحيز السياسي الذي يمنح الحقوق و الحريات درجة ترتقي بها إلى المعايير الدولية والى الحيز الاجتماعي حيث الموروث التقليدي الذي يقف كحق نقضٍ دائم الوجود و فاعل في مواجهة النساء وحرياتهن الإنسانية . لو تمّت عملية التصنيف لهذه القوانين المحلية و بما يتيح المجال لمقارنتها مع المعاهدات و المواثيق الدولية لا سيما معايير حقوق الإنسان و أُثير شرحاً و نقاشاً حول التشريع و دوره الأساسي في تحقيق العدالة و الحماية القانونية للمرأة ، فإن حزمة من العنف القانوني و المباشر و المحمي من الدولة و أجهزتها و الذي لا يُخطئ في الحفاظ على دونية المرأة و تعريضها لخطرٍ حقيقي ستكون واضحة للعيان و لازال هناك من يدافع عن استمرارها في النسيج التشريعي . يدخل في نطاق هذا المفردات جرائم قتل الشرف، التحرش الجنسي، الاتجار بالأشخاص، زواج الصغيرات، الولاية على المراة ، الحق في الطلاق ، الزواج ، منح الجنسية، تعدد الزوجات، حضانة الأطفال، الارث، الحق في الاجور المتساوية، نوعية العمل ، اجازات الامومة ، والقيود التي تنال من الجندر عموما. ضاربة بعرض الحائط و بالمطلق مع الالتزامات الدولية المترتبة على التوقيع و تصديق المعاهدات الدولية مثل مناهضة العنف ضد المرأة، العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية، العهد الدولي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية، ميثاق حقوق الإنسان، و القائمة تطول .
يوم المرأة العالمي يعود هذا العام و لا زالت الانتهاكات تنال من حقوق المرأة العربية تحت مرأى السلطات السياسية، التشريعية و التنفيذية، هي حقيقة مُرّة لكنها قائمة. إن اعتماد العنوان او الشعار الذي رفعته الأمم المتحدة يليق بالمرأة و نضالاتها ، لكن علينا ان نتنبه إلى الشرائط الموضوعية في عالمنا العربية فيما يخص الأهداف الأممية ، أن تُعجّل التقدم يعني أن تُعنى بالحماية أولاً بكافة أبعادها و أشكالها لا سيما القانونية و هذه غائبة بشكلٍ معيب في معظم أقطارنا العربية ، لا يمكن ان يستقيم الحديث عن الحريات و بناء المجتمعات الحديث في ظل عنف قانوني واضح وموجّه ضد المرأة و بذرائع مختلفة .
الحق بيّن و الظلم بيّن و ما بينهما لا زال لنا نساء العرب أملاً بمجتمعات ديمقراطية تُحترم فيه حقوق الإنسان، تُحترم فيها حقوق المرأة. كل عامٍ و المرأة العربية بخير، كل عامٍ و نساء العالم قاطبة بخير ، كل عام و مجتمعاتنا العربية بخير.