بقلم: ابراهيم شير
الشوارع فارغة الا من رجال مسلحين ملتحين وبلباس افغاني.. ينادون الى الصلاة يأمرون بالبر وينسون انفسهم.. هنا اسواق وشوارع “الدولة الاسلامية”.
منذ نحو ثلاث سنوات خرجت عوائل سورية من مدينة هجين في ريف دير الزور الشرقي بعد أن عاشت لنحو 5 سنوات، ولحسن الحظ تمكنت من التواصل مع أحد الأصدقاء الذين كان قد خرج أخوه وعائلته من هجين وبدأت بالحديث معه عما كان يحدث في المناطق التي كانت خاضعة لما سمي بـ”الدولة الإسلامية” خصوصاً وأن هذه المناطق كانت مقطوعة عن العالم الخارجي، فسرد لي قصصاً لم أكن أتصور حدوثها في القرن الواحد والعشرين، وانا بدوري سأسردها كما سمعتها منه وذلك في حلقات تنشر تباعاً.
التاريخ هو 18 / 6 / 2014، المكان بلدات الشعيطات التابعة تنظيمياً لمدينة هجين في دير الزور، خلال الأعوام السابقة سيطر ما كان يسمى وقتها بالجيش الحر على هذه المناطق بعد معارك مع الجيش السوري، إلا أنه في هذا التاريخ قام أبو عمر الشيشاني الرجل الثاني في ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق و بلاد الشام بكسر الساتر أي نقطة الحدود بين سوريا والعراق، والدخول إلى الأراضي السورية وهو ما دفع فصائل المجموعات المسلحة بمبايعة داعش فوراً وبدون قتال.
في بداية انتشارهم كانوا يتوددون إلى الناس وبعد فترة وجيزة أقدم داعشي يحمل الجنسية المغربية ويسمى أبو إسحاق المغربي بقتل رجل من رجال الشعيطات في قرية أبو حمام مما أثار غضب الناس فهبوا وبدأوا بقتال داعش حيث قتلوا منهم مايقارب 8 أشخاص و هنا بدأت معركة الشعيطات الشهيرة وبعد 6 أيام من المعارك تم التواصل مع الدولة السورية التي قامت بدورها بمساندة العشائر وتواصلت مع رجال منهم مثل “الشيخ حسن العمر المعروف المختار” (أبو قيس) حيث أسقطت المروحيات السورية 3 مرات على التوالي أسلحة متنوعة ولكن مسلحي داعش أحكموا الطوق على تلك البلدات حيث قتلوا مايقارب 8 آلاف شخص منهم رجال ونساء وأطفال وشيوخ بل حتى الحيوانات لم تسلم منهم. بعدها أصبحت الشعيطات منطقة عسكرية يحكمها ما يسمى بكتيبة البتار الليبيه وهي الكتيبة الأمنية لداعش، حيث وأغلقوا جميع مداخل ومخارج بلدات الشعيطات. وهكذا لمدة تتجاوز الثمانية أشهر. حيث أغلب أهالي هذا البلدات نزحوا إلى مدينة هجين.
التنظيم سارع لتشكيل ما يسمى مجلس الأعيان في مدينة هجين واختار رئيسا للمجلس الذي كان يمثل الأهالي في الصلح والعفو واستمر هذا الوضع لقرابة الأربعة أشهر تخللتها عمليات ذبح بحق أثنين من أبناء هجين بحجة أنهم متشيعين وقاموا أيضا بعمليات قتل بحق شباب من الشعيطات سكنوا في مدينة هجين.
التنظيم بين ليلة وضحاها شكل ما يسمى بالحسبة في المناطق الخاضعة تحت سيطرتها وهجين واحدة منها، والحسبة كانت في البداية تعمل لنشر الدعوة للصلاة في السوق عبر مكبرات صوت بالسيارة لكن تطور الأمر وأصبحوا ينصحون باللباس الشرعي أي عباءة والنقاب للمرأة ليتطور الأمر ويصبح درع تلبسه الأنثى كاملا، والرجل يلبس ثيابا فضفاضة وتسمى باقميص أو بالاسم المتداول لباس باكستاني أو قندهاري. يوم عن يوم تصبح قبضة داعش أقوى أمنياً في مناطقها ويصبح هناك مكتب أمن تابع لها إلى جانب مكتب حسبة وديوان للزكاة ومكتب دعوى وجماعات تجوب الشوارع تنصح الناس.
أوقات الصلاة تكون الأسواق والشوارع خاويه لا يوجد فيها أحد سوى عناصر داعش الذين لا يصلون ولكن يأمرون بالصلاة. بعد ما يقارب السبعة أشهر تغيرت هوية مقاتلي داعش بشكل كبير، فبعد أن كان السوريون والعراقيون هم الغالبون، بات الان العنصر الغالب هم الأجانب مثل المغاربة والتونسيين والسودانيين والسعوديين والكويتيين. وديوان الزكاة كان يديره عنصر بلجيكي، حيث كانت تأخذ الأموال عنوة من الاهالي.
أحمد العراقي أو كما كان يعرف باسم أبو رحمة، هذا الرجل هو الأمني الأول لداعش في مدينة هجين، وابن عم مسؤول ديوان العشائر في قرية الرمانه على الحدود العراقية، إسم هذا الشخص كان يشكل رعبا لدى الأهالي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. استباح أبو رحمة كل ما يسمى الأعراف العشائرية وكان يدخل في الحارات الضيقة بحثا عن النساء وبغية العثور على من لا ترتدي الحجاب المفروض من قبل داعش حتى في البساتين أو في حال إعداد الخبز. ومعه أيضاً من هجين بعض العناصر. مما أثار اشمئزاز الأهالي وقاموا بضربهم، ليقوم بجلد النساء أربعين جلدة.
عناصر داعش بدأوا يتدخلون بالحياة اليومية للأهالي حيث نسبوا كل الدوائر الحكومية لصالحهم وأوجدوا الكهرباء والمياه والأمور البلدية تحت مسمى ديوان الخدمات حيث أرغموا الأهالي على دفع رسوم للخدمات وأرغموا موظفين تلك القطاعات بالدوام تحت رايتهم وبدون راتب ومن لا يقبل يتعرض للمسؤولية والاستتابة ودورة شرعية تصل الى 40 يوما في مناطق الدوله الاسلامية داخل الأراضي العراقية.
أحد موظفي قطاع الكهرباء في تاريخ 27 / 6 / 2014 كلف بالذهاب إلى بلدة غرانيج من أجل القيام ببعض الأعمال في محطة الكهرباء وركب مع عناصر داعش في السيارة ومعهم مهمة موقعه من الأمني ابو رحمة، وفي طريق السفر بدأ بعد الجثث المنتشرة على جنباته حيث كانت 21 جثة، إلا أنه توقف عن العد لخوفه من الأمنيين الذين كانوا معه بالسياره حيث صاروا يسألونه عن أركان الإسلام وعن المبشرين بالجنة، وهناك حصل معه موقف مضحك مبكي حيث سألوه عن المبشرين بالجنة فذكر أسماء أربعة صحيحة وأكمل العدد بأسماء وهمية و هم يقولون صح صح وفقك الله.
بعد وصوله إلى المحطة أمروه بايصال الكهرباء لمدينة هجين فقط وقطعها عن باقي مناطق الشعيطات لأسباب أمنية وعند الرجوع توقف العناصر عند حاجز في نهاية بلدة غرانيج حيث أرغموا الموظف على النزول وكان المسؤول عن الحاجز صيني أو ياباني أو كوري فملامحهم متشابهه وصلبوه لمدة لثلاث ساعات بدون أن يعرف السبب حتى هذه اللحظة.
أهالي هذه المناطق تعرضوا للظلم مرتين الأولى على يد داعش على مدار السنوات الماضية، والثانية من قبل أبناء جلدتهم في الوطن، الذين ينظرون لهم وكأنهم إرهابيين، وفي الحقيقة هم مغلوب على أمرهم وما سنرويه في الأيام القادمة سيثبت ذلك.
وللحكاية بقية….