بقلم: نعمة الله رياض
إتصل به زوج أمه (سلطان)، وطلب منه الحضور ليقيم معه لأنه يعاني من الوحدة والأمراض.
الآن، يطلب مساعدته. بعد أن أصبح عجوزا” طاعنا” في السن! وبعد أن أذاق أسرته العذاب.. تذكر طفولته البائسة عندما توفي أباه تاركا أمه وأخته الكبري، كان عمره وقتها خمس سنوات وكانت أخته تكبره بثلاثة.
تزوجت أمه من المعلم سلطان صاحب القهوة المجاورة لمنزلهم. بعد الزواج، بدأ سلطان يعامله هو وأسرته بقسوة شديدة.
لم يحس بالرعب والهلع في حياته إلا عندما كان يقترب منه سلطان وفي يده الحبل والعصا ليعاقبه علي أقل هفوة، أو ما قد يعتبره هفوة , الحبل ليقيده علي عامود الفراش، والعصا ليذيقه بها ضربا مبرحا وهو يزمجر جاحظ العينين، ولا تستطيع أمه أو أخته الإقتراب منه لباقي اليوم ليأكل أو حتي يرتشف جرعة ماء!
ولم تسلم أمه من قسوة سلطان ومعاملته الجائرة، والإعتداء عليها بالضرب أمامه هو وأخته ..وكانت بلا حول ولا قوه فقد كانت بلا مورد رزق تعيش منه هي وأولادها.
تجهم وجهه عندما تذكر زوج أمه وهو يقترب من أخته، في غياب أمه عن المنزل، كان يقبلها بنهم ويتحسس جسدها بيديه..كان صغيرا ولم يدرك معني تلك المشاهد، الآن وبعد أن كبر، عرف معني ما كان يجري أمامه..أو بعيدا عنه، شعر بغليان الدم في عروقه وأصر علي أسنانه غيظا”.
مرت الأيام بقسوتها ومرارتها، وماتت أمه بحسرتها، وتزوجت أخته من عامل بقهوة سلطان. تشاجر مع زوج أمه عدة مرات حتي طرده من المنزل، فإستأجر حجرة بعيدا” عن طغيان سلطان.
نعم. سيذهب إليه ليساعده , سيخلصه من الوحدة والأمراض، ويريحه منها جميعا.. لكن بعد أن يدفع فاتورة ما إقترفه في حقه وحق أمه وأخته، سيعاني من جرعة، بل جرعات من العذاب ما لا يتحمله عجوزا” مثله. لا يهم إن كان وقت الإنتقام قد جاء متأخرا”، فقد إنتظر تلك اللحظة سنين عديدة ليشفي غليله.
دخل شقة سلطان، التي كانت شقته !! ، ما إن رأه حتي بادره بلكمه في وجهه أسقطته علي الأرض فاقد الوعي والدماء تسيل من أنفه. سحبه لغرفة النوم، قيده واقفا علي عامود الفراش، الذي طالما قيد هو عليه.. نزع عنه ملابسه، صب علي وجهه كوب ماء ساخن ليفيق، صرخ سلطان متألما”.. يصرخ كما يشاء، فلن يسمعه أحد . بسكين حاد شق جروح غائرة في لحمه، قطع أذنيه وشفتيه التي قبل بها أخته، وبالسكين أسال الدماء من ظهره وفخذه. مات العجوز ببطئ بعدما غرس السكين في عمق أحشائه.
سحب الجثة المغطاة بالدماء، لحمام الشقة ووضعها في حوض الإستحمام. خرج وإشتري أوعية من حامض كاوي مركز وصبها علي الجثة كانت كافية لتغطيتها، تآكل الجلد واللحم مصدرا” فقاعات تنفجر علي التوالي وتبعث برائحة منفرة وكريهة، لكنه بقي رغم ذلك يتابع تآكل الجثة وتحولها إلي مسخ بشع ثم إلي هيكل عظمي، صرف الحامض من حوض الإستحمام ورفع الهيكل العظمي كاملا” ونظيفا”، بطلاء لامع يصبح جاهزا” لبيعه لطلبة كلية الطب! ، هكذا إختفي سلطان من الوجود ولن يستطيع حتي الذباب الأزرق أن يعرف له طريقا.
بضعة أيام مرت، شعر بعدها بالضيق والتوتر وهو يقيم مع سلطان، حتي وهو هيكل عظمي. أحس بأن شيئا ما يتعقبه وهو يخطو داخل الشقة وأصوات خافته تتردد في أذنيه، إزداد توتره عندما تمدد علي الفراش في الليل، خاف من الظلام، فأضاء المصباح الخافت المعلق بجانبه. لكنه شعر بتيار هواء بارد يدخل حجرة النوم رغم أنه أغلق الباب والنوافذ! رأي خيالات تتراقص علي حوائط الغرفة ..لم يستطع التحمل أكثر.
إرتدي ملابسه بسرعة وفتح باب الشقة ليخرج، فوجئ بالباب يغلق بشدة خلفه. سار في الشارع المظلم متجها إلي غرفته. في إضطرابه، تعثر علي السلم وهو يصعد لحجرته. أحس بتيار الهواء البارد يدخل في أثره، أخذ جسمه يرتعش بشدة، إرتمي علي الفراش وهو ينظر إلي فضاء الغرفة وجسده ينتفض وشفتاه ترتجف. أحس بسقف الغرفة يهبط ببطئ، مد يده إلي مفتاح الإضاءة وأطفأ نور الغرفة حتي لا يري السقف، لكنه أحس به يستمر في الهبوط!! خارت قواه وتجمد في مكانه، ولم يستطع الحركة أو الهرب، بالكاد فتح عينيه في الظلام. كان وجه سلطان يترائ له علي السقف الذي يقترب منه ببطئ، لمعت عينا سلطان وهي تنظر اليه وهي جاحظة. إرتعد جسمه بشدة وهو يشاهد رأس سلطان تتحول إلي جمجمه ,وما تبقي من أسنانه منفرجة وبارزة لا يعرف إن كانت تضحك عليه أو تستعد لإلتهامه، إقترب سقف الغرفة منه حتي كاد يطبق عليه، سمع فحيح حركة دؤوبه، وأصوات مبهمة ومخيفة تطرق رأسه، ودقات طبول تتعالي في أذنيه أكثر فأكثر، شهق شهقة عالية وصرخ فاتحا فمه وهو يتنفس بصعوبه. أخذت دقات الطبول في الخفوت، ومعها تلاشت دقات قلبه.
مضي وقت قصير. وبدأ طنين أجنحة الذباب الأزرق يعلو فوق جثته. تجمع الذباب حول فمه وأنفه وضع عليهما بيضه، وبعد أيام، خرجت اليرقات وبدأت تتغذي بشراهة علي جلد ولحم الجثة لتصبح مسخا” مشوها” ومع مرور الزمن، تحول إلي هيكل عظمي، كاملا” ونظيفا”!