بقلم: علي عبيد
لم يكن حوارا بين جيلين كما توقعت، وصديقي الدكتور سليمان الهتلان، أن يكون قبل أن تبدأ الندوة، وإنما كان حوارا رُدِمت فيه الهوة بين الحضور والمتحدثين، بفعل ثقافة الحضور التي بدا واضحا أنها لم تكن سطحية، ومتابعة المتحدثين للتقنية ووسائل التواصل الجديدة التي فرضت نفسها على الساحة، وأصبح الجهل بها هو الأمية في هذا العصر سريع التطور في كل مناحي الحياة، فعلى مدى السنتين الأخيرتين، حضرت وشاركت في العديد من الندوات والملتقيات التي دار موضوعها حول التطرف، وخرجت من هذه الندوات والملتقيات شبه مقتنع بأننا نحاور أنفسنا، لأن المتطرفين لا يستمعون إلينا، وإذا استمعوا إلينا لا يؤمنون بشئ مما نقول، بل إنهم يكفروننا ويعتبروننا أهدافا لهم. لذلك اتخذت قرارا بيني وبين نفسي بعدم المشاركة أو حضور مثل هذه الندوات والملتقيات، لإحساسي بأنها لا تضيف جديدا لي، علاوة على أنها تأخذ من الوقت والجهد الكثير.
وقبل بضعة أسابيع تلقيت دعوة من كلية محمد بن راشد للأعلام بالجامعة الأميركية في دبي، للمشاركة في ندوة حوارية حول الإعلام في مواجهة التطرف، فلم أتردد في قبولها لأسباب عدة؛ أولها أن منظمي الندوة من طلبة الكلية، وثانيها أن الجلسة جزء من المشروع النهائي لإحدى المواد الدراسية في الكلية، وثالثها أن المتحدثين من الشخصيات الإعلامية اللامعة التي تعمل في قنوات فضائية لكل منها توجهها وأسلوبها وسياستها في التعامل مع التطرف، ورابعها أن الندوة مخصصة للحديث حول دور الإعلام العربي في مواجهة التطرف بمختلف أشكاله وأوجهه، وهي فرصة لمعرفة أين أخفق هذا الإعلام وأين نجح، إضافة إلى أن هذا الموضوع غالبا ما كان يطرح على هامش الندوات والملتقيات التي أشرت إليها. كل هذه الأسباب مجتمعة أغرتني بالمشاركة في الندوة، وإن كان السبب الأهم أن الحضور سيكون طلبة وطالبات الكلية الذين هم في المرحلة النهائية من دراستة الإعلام، الأمر الذي يعني أن أغلبهم سينضم إلى القافلة، ما لم يجذبه عمل آخر أكثر دخلا وأقل قلقا وجهدا.
في مواجهة الحضور كنت الوحيد الذي يعمل في وسيلة إعلامية حكومية، إلى جانب الإعلامية المتألقة منتهى الرمحي، مقدمة برنامج “بانوراما” على قناة “العربية”، والكاتب والإعلامي الدكتور سليمان الهتلان، مقدم برنامج “حوار الخليج” على قناة “الحرة”، والإعلامي المخضرم الأستاذ أحمد مصطفى، رئيس التحرير في قناة “سكاي نيوز عربية”. لذلك بدا لي أني الحلقة الأضعف في الدائرة عندما كان يوجه الاتهام إلى وسائل الإعلام بالتقصير في مواجهة التطرف، باعتبار أن وسائل الإعلام الحكومية هي الأكثر قدرة في التعامل معه، كونها تملك الإمكانات المادية والبشرية التي تمكنها من القيام بهذا الدور، وهي وجهة نظر لها وجهاتها، خاصة بعد أن اتجهت القنوات التلفزيونية الحكومية إلى الربحية، فاضطرت لتغيير توجهها والتخلي عن جزء من رسالتها كي تستطيع منافسة القنوات الخاصة في مجال الترفيه، كي تحصل على جزء من كعكة الإعلانات، على حساب مجالات أخرى. لكن المتأمل للمشهد الإعلامي العربي يلاحظ أن القنوات الخاصة لعبت دورا كبيرا في إذكاء التطرف ونشره، لا سيما الفضائيات الدينية التي أسهمت في تنامي هذه الظاهرة، فقد خلقت هذه الفضائيات مناخا فاسدا، وروجت للتجريح والإساءة إلى الأديان والطوائف الأخرى، وصنعت نجوما أصبج لهم تأثيرهم في الرأي العام. هذا التأثير كان سلبيا في أحيان كثيرة، وأدى إلى نتائج كارثية على بعض الشباب، ودفعهم إلى التطرف والانضمام إلى الحركات التي سمّت نفسها جهادية، ناهيك عن أن بعض المنابر الإعلامية تحولت بعد موجة الثورات والتحولات العربية إلى منابر لنشر خطابات الكراهية، فأصبح الإعلام جزءا من الأزمة لا الحل، كما يتفق خبراء الإعلام ودارسوه.
على مدى ساعتين تقريبا دار الحوار وتشعب ليشمل نواحي كثيرة، ربما لا تختلف كثيرا عن تلك التي تطرح في الندوات والملتقيات التي تتداول هذا الموضوع من حيث العناوين، لكنها اختلفت من حيث التناول، كون الذين يناقشونها من الجيل الذي كثيرا ما نتهمه بالسطحية، لكن الواقع الذي لمسته وزملائي في هذه الندوة الحوارية يقول إن هذا الجيل متابع ومتفاعل مع أزمات الأمة ومشاكلها، وهو ليس بعيدا عنها، يشعر بتسطيح الكثير من وسائل الإعلام العربية لعقل الإنسان العربي. غير أن السؤال الأهم، في رأيي، هو الذي طرحته إحدى الطالبات، ونحن نقترب من نهاية الندوة، عندما قالت: ماذا نستطيع نحن الشباب أن نفعل لمواجهة ظاهرة التطرف؟
الجواب، كما أراه، هو أن الشباب يستطيع أن يفعل الكثير، كونه الأكثر تعاملا مع وسائل الاتصال الحديثة، وهو ما تستخدمه الجماعات المتطرفة لحشد الأنصار لها، فالتطور التكنولوجي ساعد على نشر الأفكار المتطرفة، والإحصاءات تقول إن “داعش” وحدها تمتلك 46 ألف حساب على “تويتر”، وإن 80% من الذين جندتهم عبر وسائل الاتصال الاجتماعي، وإنها تنشر أو تعيد نشر ما يزيد على 90 ألف مادة إعلامية ودعائية يوميا في هذه الوسائل بغرض التجنيد والدعاية والحشد.
ما وصلنا إليه اليوم من وضع مزر هو نتاج أجيال ضلت الطريق إلى صنع واقع أفضل، غررت بها قيادات غلّبت مصلحتها الشخصية على مصالح الأمة، وقادها البعض بتطرفه وظلاميته إلى مرحلة العنف التي تعيشها بعض بلداننا العربية اليوم. في استطاعة الشباب أن يحدثوا التغيير المطلوب، شريطة أن يتسلموا هم زمام المبادرة، ولا ينتظروا من أحد أن يقودهم.