بقلم/ أسماء أبو بكر
الاختراق الصهيوني على أشده ..هل نفيق؟!
مخطئٌ من يظن أن الحديث عن الحركات والتنظيمات ذات الأفكار الصهيونيه المسمومة، والخطط المشبوهة من باب الترف الذهني؛ فعالمنا اليوم يعيش تحت وطأة مخططاتٍ وُضعت منذ أكثر من قرنٍ مضى، وكل ما طبع على الأوراق من حبر، بات واقعًا نلمسه في كل بقاع الأرض.
إن مقالي هذا ليس الأول في سلسلة تاريخ الصهيونية المشؤوم، ولا أحسبه سيكون الأخير؛ فهناك حلقاتٌ أخرى كثيرة ستكشف لكم ماهية الصهيونية وتزييفها للحقائق ودعواها الباطلة، وستكشف أيضًا أسرارَ وخياناتِ، ومؤمراتِ هذه الحكومات الخفية،فهم يثيرون الفتن والدسائس في العالم كله وهذا دأبهم؛ فقد وصفهم القرآن الكريم أصدق وصفٍ في قوله تعالى: « بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ (14)» الحشر.
من دون مقدمات طويلة، ٍوتحليلات وثرثرة كثيرة قُتلت بحثًا، نعبر جسرًا تاريخيًا نسبر من خلاله أغوار ذلك العالم المظلم الخفي؛ لنعى وندرك جيدًا حقيقة ما يحاك حولنا من إثارة الفتن والقلاقل؛ سعيًا وراء تخريب ودمار العالم وهدم دعائم الأخلاق والأديان، فالحرب اليوم ليست حرب العتاد والسلاح فقط لو تعلمون!، ولكنها حرب الوعى والفكر، واليد الخفية باتت تعلنها صريحةً إما أن نكون كلنا قالبًا فكريًا واحدًا، أو هى حربٌ ضروس؛ فعالمنا لا يقبل الاختلاف إطلاقًا، ولما رأى من تزعموا هذه الأفكار أن محاربة العالم فكرة مستحيلة، لجأوا إلى الخداع والحيلة طوال الوقت.
ومن خلال ما سبق بات واضحًا للجميع أن معرفة الأجيال الحالية والقادمة الحقائق التي تدور في عالمنا أمرٌ حيويٌ لا غنى عنه؛ ليقفوا على هذا الثغر وينشأ في نفوسهم الإيمان بالقضايا التي تؤثر على مستقبل منطقتنا وتمس حضارتنا ووحدتنا. ؛ فالعدو مهما تلون سيظل عدو،حتى وإن بات في عقر دارنا، ولأن الصهيونية داءٌ خبيثٌ لا يمكننا اقتلاعه بسهولةٍ الآن، علينا أن نخبر أبناءنا سبل الوقاية منه ومن أفكاره المسمومة؛ ليأتي يوم ويخرج فيه جيلٌ يحمل مشاعل الفكر والولاء والانتماء للوطن ويهدم أوثان ودسائس هذه الحركة المشؤومة..
“الصهيونية بين الميلاد والبحث عن وطن”
في الواقع الصهيوينة الحديثة وليدة السياسة والساسة، وأساسها التي قامت عليه دعوى الاضطهاد، وظهور فكرة القومية، ومطامع الاستعمار؛ ولهذا السبب نشأت أول الأمر في أوربا الشرقية وأوروبا الوسطى، حيث بدأ الضغط الشديد على اليهود في القرن التاسع عشر.وإذا كانت الحركة الصهيوينة لاقت نجاحًا في تاريخها المعاصر؛ فإنما يرجع ذلك الى معرفة الصهاينة والمسؤولين عن الصهيونية بأحوال العرب وعاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم، في نفس الوقت الذي جهل فيه العرب كل شيء عن الصهاينه وفكرهم وأحوالهم.أما “فكرة الوطن القومى” فلم تنشأ قبل عصر النهضة القومية، وقبل أن تشتبك الصهيونية والمطامع الدولية، خَطَرَ لليهود أن يصححوا مراكزهم ويلائموا بين أفكارهم وعاداتهم، وبين العصر الحديث بأساليب متعددة.والسعي نحوا امتلاك أرض ينتسبون إليها لم تخطر لهم على بال إلا في نهاية المطاف، إذ أنشأوا جماعة «هسكالا» في ألمانيا؛ لتجديد العقيدة والتوفيق بين التربية الدينية والتربية العصرية، وجماعة “حلوقة “على غرار الجامعة القديمة والعديد من الجماعات، وفي هذا الوقت لم يقتنع اليهود بفكرة الوطن القومى لمجرد السكنى والتعمير واندفعوا إلى فكرة الدولة اليهودية،ولكنهم -حتى في هذه المرحلة- لبثوا مترددين في اختيار الموقع بين أوغندا في أفريقيا ،و إقليم من الأقاليم الخالية في الولايات المتحدة أو بين روسيا والبلقان وظلت فكرة القومية أو الدولة اليهودية كالسحاب الذي يتشكل حسب أوهام الناظرين إليه حتى أوشك القرن التاسع عشر أن ينتهى دون أن يستقروا على وضع محدود، ثم تبلورت الفكرة في مؤتمر بازل في سويسرا عام 1897، وتم تشكيلها على الوضع الأخير بوعد بلفور بعد عشرين عام.
“هرتزل الأب الروحي “
منذ إعلان قيام الحركة الصهيونية العالمية في هذا المؤتمر أدرك” تيودور هرتزل”،- الأب الروحي للدولة اليهودية -أهمية حصول الحركة على دعم إحدى القوى الكبرى في العالم من أجل قيام واستمرارية دولته المزعومة.وبالطبع كان المقصد الأول له هى إسطنبول، حيث كانت فلسطين تابعة للسلطنة العثمانية الغارقة في أزماتها وديونها، ولكن فشل هرتزل في إقناع السلطان عبد الحميد الثاني بالسماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين مقابل تسديد ديون السلطنة، بل تزويد الخزينة العثمانية بما يطلبونه من مال، على الرغم من شدة إغراء العرض، وإمعانًا في التصدي لهذا المخطط الصهيونى أصدر السلطان عددًا من المراسيم؛ لتشديد الإجراءات الأمنية في فلسطين، لمنع هجرة اليهود، مدفوعًا بعقيدته الدينية التي تعتبر تلك المنطقة وقفًا إسلاميًا لا يجوز التفريط فيه مهما كان الثمن.لم يزدد هرتزل إلا إصرارًا على مخططه، مدفوعًا بقناعاته الدينية التى تعتبر فلسطين أرض الميعاد التى بشر بها الكتاب المقدس، واستطاعت الحركة الصهيونية عبر أذنابها في تركيا تدبير انقلاب ناجح، لخلع السلطان عن عرشه، فيما عرف بواقعة 31 مارت «مارس» وبذلك زالت العقبة الأولى في طريق قيام الدولة اليهودية، ومن ثم توجه التركيز إلى القوى الأوروبية لتتبنى إحداها المشروع.
أظن أن عداءنا لفكرٍ خبيثٍ مثل هذا يجعلنا نفكر من زاويةٍ أخرى، إنهم وإن كانوا ألد أعدائنا، إلا أن العبرة بالمثابرة والعزيمة والعمل؛ فنرى أنه على الرغم من اتخاذ الطرق الملتوية؛ فإنهم كانوا أصحاب عزيمة لتحقيق غرضهم الشيطاني.لذلك ينبغى علينا أن نستخلص الدروس والعبر من التاريخ، وإلا سنكون مثل القصاصين الذين يروون للناس حكايات الأدب الشعبي على أنغام الربابة، والمتتبع لأحداث التاريخ يجده معلمًا للبشرية يعطيهم إشاراتٍ لمستقبلهم قبل وقوع الكوارث؛ فحريٌ بنا أن ننظر إلى الأمر بعين البصيرة؛ لربما خرج من بيننا من يغير خريطة العالم من جديد، ويعيد الحق لأهله..