ترجمة: إدوار ثابت
مثلما تختلف الكائنات في أشكالها وأحجامها وفي هيئاتها وأوضاعها تختلف في طبائعها ورغباتها . وشخصيات الإنسان هكذامتضاربة في تلك الأمور ولكن الكثيرين لا يقنعون بمكانتهم فالذي يعمل في مكان تحت إمرة غيره يريد أن يكون مديراً والمدير يرغب لإي أن يصير سفيراً والسفير يبتغى أن يضحى رئيساً يطمحون كلهم أو بعضهم في ذلك إلى أن يمتلكوا وضعاً مما هم عليهم وبعضهم يحسد غيره على وضعه ليس في المضمون فحسب وإنما كذلك في الشكل والهيئة . فها هي الضفدعة في هذه الحكاية ترنو إلى البقرة فترى حجمها ضخماً وترى محتواها مكتظاً وترنو إلى حجمها هي تراه نحيفاً وترى محتواها ضئيلاً وتتطلع إلى البقرة فإذا البقرة عالية شامخة وإدا هي منخفضة حابية فرغبت في أن تكون مثلها فظلمت نفسها وضلّ ادراكها فأشتدت وأخذت تعمل حتى تنتفخ وتمتلئ ولم تكتفِ بل تستزيد حتى أنتفخت وأنشقت وأنبطحت وأنحطّت .
يقول الشاعر لا فونتين في حكايته التي نترجمها كما هي في نصها الفرنسي :
ترى الضفدعة بقرة فتبدو لها جميلة القد
فهي لم تكن أبداً ضخمة مثلها وإنما كبيضة
فتحسدها فتمتد وتنتفخ وتعمل بنفسها
حتى تضارع هذا الحيوان في ضخامته
وتسأل أختها أن تتطلع إليها
فتقول لها : أنظري جيداً أهذا يكفي ؟
أخبريني أمازلت لم أبلغ ذلك ؟
-لاشئ – وكيف أنا الأن إذن ؟ – أبداً – وهكذا؟
-لم تقتربي منها قط وتنتفخ الطموحة الغبية
وتنتفخ الطموحة الغبية حتى تنفجر
(شبه الضفدعة في عملها بلفظ Pécore هي المرأة الطموحة الغبية )
وهكذا العالم يمتلئ بمن لا حكمة لهم
فكل براجوازي يرغب في أن يرقى كالسادة الكبار
وكل أمير صغير يطمح إلى أن يكون له سفراء
وكل ماركيز يطمع في أن يمتلك غلماناً
فالحكاية مغزاها واضح أشد الوضوح يصرح به الشاعر تصريحاً جلياً ورغم ذلك فأن بالرؤية الفنية للسرد فيها يبدو بها شيء من الغموض وهو يبرز من سعي الضفدعة إلى الأنتفاخ فهو يقول قد أخذت تعمل بنفسها ولم يفصح عن هذا العمل فهل هي تسعى إلى الأكل بكثرة أو الشرب بنهم أو التنفس بقوة حتى تكتظ وغير ذلك من الأمور التي غفل عنها الكاتب أو تغاضى عن ابرازها ولكنه مع ذلك يرغب في أن يقول فحسب أن رغبتها في أن تصير ضخمة كالبقرة . ومن الناحية الفنية في مثل هذه الموضوعات التي يصدرها الأدباء والتي تحتوى على الرمز فإنهم يضعون لها بعدين : البعد الأول وهو السرد الواضح والبعد الثاني وهو المحتوى الخفي ومن العلاقة بينهما يأتي المضمون أو المغذي وهذا ما فعله الشاعر فالبعد الأول في الحكاية هو البقرة ومعها الضفدعة التي ترغب في تغيير وضعها أو تسعي إلى تغييره لتغدو كالبقرة والبعد الثاني هو الإنسان بأشكاله وانماطه المختلفتين وما يرغب فيه أو يفعله لهذا التغيير . فإن قلنا أن الكاتب لم يغب عنه ذلك في سرد الحكاية فرأى أن محتواها عاماً ففضل هذا الغموض فقال تعمل الضفدعة لنفسها حتى تنتفخ ولم يبرز هذا العمل والإنسان تختلف رغباته التي يتوق فيها إلى أن يرقى ويغير وضعه وتختلف معها الأشياء التي يسعى بها إلى تغييرها فتكون بذلك عامة .
إن قلنا هذا وأخذنا به فعلى الرغم منه فلا نلحظ غالباً أن الشاعر لافونتين في سرده الفني ونأيا عن نظمه الشعري يضمّن حكاياته مثل هذا الغموض وهذا ما لم نلحظه إلا إذا كان مفهوماً ضمنياً أو بالأصح صريحاً ولا سيما عندما يقول أن كل برجوازي يرغب في أن يرقى كالسادة الكبار وكل أمير صغير يطمح إلى أن يكون له سفراء وكل ماركيز يطمح في أن يمتلك غلماناً .
أما النقد في الحكاية فهو نمطان نقد إجتماعي ونقد سياسي أو كما نراه رؤية سياسية والنمطان يبدوان فيما يقوله بغير إخفاء أو تلميح وإنما يوضحهما في تصريح وتأكيد فالنقد الاجتماعي يبدو في قوله : « العالم يمتلئ بمن لا حكمة لهم « أي الذين يرغبون في تغيير أوضاعهم أو يسعون إليه بما يفعلون وأن نقده هذا ينطبق على هؤلاء الذين يهدفون إلى ما يتعارض أو يتناقض مع الواقع فهم ليسوا حكماء كما يقول الكاتب كالضفدعة التي تريد أن تكون كالبقرة في حجهما وهذا يناقض طبيعتها وكنهها ولذا فهو يشبهها بالطموحة الغبية أو البلهاء أما ما يهدفون إلى تغيير أوضاعهم أو تحسينها بما لا يعارض الحقيقة أو الأحتمال فذلك طموح إلى شيء يمكن أن يتحقق أو لا يتحقق وهذه طبيعة يتطبع بها أغلب الناس إلا القليلين منهم والقليلين جداً الذين يقنعون بمكانتهم ولا يطمحون بعده إلى شيء ماء وأغلب الناس هؤلاء هم من يضعهم الكاتب بعد أن قال عنهم ليس حكماء وأن العالم يمتلئ بهم ولا نعرف أن كان يربطهم بهم أم هم نمط منهم فقط يختلفون عنه أم يتشابهون في كونهم يطمحون إلى ما يرغبون فيه حكماء أم ليسوا حكماء . ولذا فنحن نرى في رؤيته لهذه الفئة رؤية أجتماعية وسياسية معاً أكثر منها نقداً اجتماعياً أو سياسياً إلا إذا كان الكاتب يلمح في الطبيعة البشرية ما يستحق النقد ورؤيته هذه يضمنها بعضَ من هم يشغلون أماكن مختلفة في العصر الذي كان به مثل البرجوازيين والأمراء الصغار والماركيز . فالبرجوازي هو الذي ينتمي إلى هذه الفئة التي نشأت في العصور الوسطى والتي كانت تعيش في وضع سهل ميسور فهم يقطنون في حي راقِ ومبانِ مشيدة بالحجر ولا يمارسون المهن اليدوية وعائداتهم مرتفعة وعندما يقول أن كل صغير يطمح إلى أن يكون له سفراء فالأمير هو أبن الملك أو عاهل الإمارة أو العضو في العائلة الملكية والسفير هو الذي يمثل الدولة رسمياً في بلد غريب وعندما يقول أن كل ماركيز يتطلع في أن يمتلك غلماناً فالمركيز لقب من ألقاب النبلاء وهو أقل من الدوق وأعلى من الكونت والدوق أعلى من الأمير والكونت أرفع من الفيكونت وهو لقب يأخذ من الأبناء الصغار لهم وهو أرفع من البارون وكل هؤلاء من النبلاء وتأخذ النساء كذلك هذه الألقاب التي كانت في ذلك العصر والغلمان هم فئة من النبلاء من الصبية الصغار يكونون إلى جانب الملك أو السيد أو السيدات الكبيرات ليتعلمون فنون القتال ويؤدون لهم مختلف المصالح وقد كان النظام الملكي القديم في فرنسا ثلاث فئات بعد الملك والملكة وهم النبلاء ورجال الدين والشعب والنبلاء هم الأشخاص الذين ينتمون إلى مرتبة عالية من ولادتهم أو بقرار من الملك أو العاهل أما النساء فكن يأخذن هذه الألقاب من أزواجهن فمنهن الماركيز مع الأختلاف في النطق في اللفظ الفرنسي بين الرجل والمرأة ومنهن الدوشيس أو بالعربية العامية دوقة والكونتيس أو كونتيسة والأميرة ويطلق عليها برنسيس أو برنسيسة أبنة الأمير أو الملك وكذلك زوجة الأمير وفيكونتيس وبارون مع الأختلاف في نطقها الفرنسي بين الرجل والمرأة .