بقلم: حسّان عبد الله
سألَ الأصمعي أعرابيّةً عن الحبِّ فقالت : هو في الصدورِ كامنٌ كُمونَ النّارِ في الحجرِ ، إنْ قدحتَهُ أورى وإِنْ تركتَهُ توارى. الحبُّ شعورٌ داخلي يدفعُ صاحبَهُ على الميلِ نحو شخصٍ آخرَ والرغبة به، وهذا الشعورُ إنْ حُرِّكَ عاشَ وإِنْ أهملَ ماتَ، وكما أنّ الحجرَ على برودتِهِ يقدح شررًا إنْ ورّيتَ نارَهُ فإنَّ القلبَ على سكوتِهِ يتّقدُ ويتأجّجُ إنْ أيقظْتَ فيه الحب.
وقد اختلفَتِ الآراءُ في ماهيّةِ الحبِّ فذهب بعضُهمْ كالمفكّرِ الأندلسي ابن حزم القرطبي إلى أنّه اتصالٌ بين أجزاء النفوسِ المقسومةِ عن أصلِ عناصرِها .
ويقول الأديب الفرنسي جان جاك روسو : الحبُّ شعلةٌ غيرُ مرئيَّةٍ يشعلها السمعُ أو البصر فتمنح المرءَ حياةً أسمى منَ الحياةِ العاديَّةِ وأشمل ، هذا يعني أنَّ الحبَّ انفعالٌ قويٌّ أمامَ معالمِ الجمالِ ، به تتجاذبُ أجزاءُ الوجودِ فتتناغم وتتكامل كآعضاءِ الجسمِ المتآلفة وبواسطته تتبلور فكرةُ اتحاد المحبِ بالمحبوبِ فيغدو الرّائي هو المرئي نفسه. وما دامَ الحبُّ أمرًا ذاتيًّا فإنه يختلفُ باختلافِ الأفرادِ ، منهم من يراهُ علاقةً جسديّة ومنهم من يراه علاقة روحٍ بروح . منهم من يراه كفايةَ نظرٍ أو لقاءً في البعدِ أو وصالًا بالفكرِ ومنهم من يراه داءً يُحِبُّ الموتَ بِهِ .
ميزةُ الحبِّ أنّه منبعُ وحيٍ لما تبدعُهُ الفنونُ رسمًا ورقصًا ونغمًا ، وإذا كانتِ الأعرابيّةُ قد لجأتْ إلى التلميحِ والتشبيهِ لتوضيحِ معنى الحبِّ فإنّ التعبيرَ عنِ الصادقِ منه يكونُ مع الكتّابِ والشعراءِ فيضًا ذاتيًّا في قطعٍ أدبيّةٍ تجسّدُهُ وتثبتُ وجودَهُ ، وقد كان الحبُّ وما يزالُ يرافقُ الحركةَ الأدبيّةَ فتحدّثَ الشعرُ والنثرُ عن اتجاهاتِهِ الإباحيّة والعذريّة والروحيّة ، كما عبّرَ المتصوّفونَ عن الحبِّ الذي يصلُهم بالعزَّةِ الإلهيّةِ.