بقلم: سونيا الحداد
العلمانية، هذا الانجاز المميز الذي توصلت الى تبنيه كنظام لها العديد من دول هذا العالم بعد أن عاشت أيامها السوداء من حروب وكوارث على جميع الاصعدة، من جرائم وفظائع داخلية حوّرت المفاهيم الاجتماعية والفكرية وأدت الى ولادتها، نظاما يحمي جميع الافراد ويؤمن لهم المساواة المدنية، الكرامة والحرية الفكرية بعيدا عن اية تبعية سواء عرقية، دينية وما هناك من تبعيات أخرى انهكت المجتمعات ودفنتها في كهوف الظلام والتخلف عرضة للابتزاز على انواعه وخاصة الابتزاز الفكري وهو الأبشع والأكثر ضررا.
هذا النظام الذي تغنت به المنابر المحلية والدولية وكل من عرف طعم الحرية والكرامة، معنى الارتقاء الفكري والروحي، من ناشد آفاقا اوسع في مسيرة المحبة الحقيقية البعيدة عن جميع الولآءات الا الولآء الى الحق والعدل والخير الى آخره، يواجه اليوم أخطارا عديدة اهمها خطر الأديان السماوية. أديان ابتلت بها الانسانية وذاقت الأمر منها، تعود الى الساحة محورا اساسيا في تقرير مصير الدول. ها نحن نشهد اليوم على فداحة هذا الخطر الذي بات معيارا في الانتخابات المحلية بغض النظر عن أهمية برنامج عمل المرشح او حتى كفاءته، الأهم هو المجيء به ليس من اجل خير الامة بل خير فئات غايتها المكسب الديني اولا في سبيل وضع اليد تدريجيا وفرض شرائعها سواء بالقوة او بالحيلة. يوم تصبح هذه الفئات هي الأغلبية سيتغير وجه المجتمع وسيخسر علمانيته بسببها هي التي من خلال حقوق الانسان والحرية والمساواة، ستدمر كل شيءٍ في طريقها. اذكر لبنان مثالا حيا لهذه المأساة التي لن تجد الحل ابدا طالما أن الاديان هي المعيار الذي دمر وما يزال، البلد وشعبه وروحه.
لعنة الأديان هذه تعود الى الساحة بسبب مصالح محلية ودولية تبنتها وسائل ارهاب فكرية واجتماعية،. وسائل لغسل الادمغة وشراء الضمائر، أدوات تمهد الطريق الى انحدار اجتماعي خطير، الي ضياع العديد من الحقوق المدنية وخاصة حقوق النساء منها، ما علينا سوى النظر الى قانون الاجهاض الذي تبنته ولاية تكساس مؤخرا باسم الدين لآ غير. اديان تشرع الفروقات الاجتماعية مشيئة الهية لا بل انها المنادي الأول الى التمييز بين الموالين لها عن غيرهم، والعالم يوما بعد يوم، ينزلق في فخها المميت بعد أن غفلت البصيرة وملأ الخوف والتعصب والجهل القلوب والنفوس. مجتمعات عرفت العلمانية ومارستها، تجدها اليوم، تعود الى اسس دينية من اجل تبرير اصدار القوانين وتعديلها. انها مأساة العصر، يوم لآ تتجرأ فيه هذه المجتمعات بالذات، عن التعبير صراحة عن فكرها ونظرتها للأمور خوفا من اغتيال او اعتقال أو اتهام بنشر الفتنة فيها.
أين هي هذه العلمانية؟ ما هو مصيرها على المدى القريب؟. كم من الدماء ستسفك قبل وبعد زوالها؟ أي نظام سيحكم العالم الجديد؟ إذا قضوا على إله العلمانية الجميل هذا، ماذا سيحل بالعالم مع إله الديانات المسماة بالسماوية، الذي يحلل القتل، الانتقام، حمل الضغينة، الغزو والتشنيع باسمه. إله لا يرحم حتى تابعيه الذين يفرقهم اسيادا، أعراقًا ومراتب. من سيحمي العلمانية بعد اليوم من هذا الإله الذي بات أداة تمهد الطريق نحو العودة لعصور الظلام والتخلف مجددا؟
حسرتي على نموذج اجتماعي من أرقى ما عرفته الانسانية ، أراه يتوارى بصمت في معمعة جنون السماء!